لماذا يكرهون الفيزياء؟؟

سلسلة تبسيط الفيزياء …

في كل المواقف التي سئلت فيها عن تخصصي أو عما أقوم بتعليمه، لم يكد موقف يخلو من شهقة استنكار أو استغراب أو ربما تعجب عندما أذكر أنني أعلم الفيزياء. وكانت معظم الشهقات تأتي من كبار، وخاصة آباء أو أشخاص راشدين وفي مواقع تربية أجيال سواء في البلاد العربية أو هنا في الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت الشهقة أحيانا ما تتبع بعبارة من قبيل: “ذلك صعب”، أو “ليس تخصصي المفضل”، وربما وصلت لحد التعبير عن الحقد على الفيزياء. ولدى الاسترسال في الحديث، كنت أجد أن محاوري (أو محاورتي) قد مر بتجربة أليمة خلال دراسة الفيزياء. سواء بحصوله على علامات متدنية ربما تصل إلى الرسوب أو بتجربة مريرة مع معلم الفيزياء الذي ربما كان بالنسبة لهم كشباب، عنصر تنفير من كل ما يتعلق بالفيزياء لاحقا وإلى الأبد، حسب تعبير بعضهم.
في الغالب، يبدأ تعليم الفيزياء بشكل منفصل كمادة مستقلة في الصف التاسع أو العاشر. لكنه في الحقيقة يبدأ قبل ذلك بكثير في الصفوف الابتدائية. لكن ضمن مواد العلوم والرياضيات. يبدأ تعليم الفيزياء من وضع أبسط التوصيفات للظواهر الطبيعية أو خواص المواد أو الحرارة والضوء وكلها تسير بشكل سلس جميل ويحبها الطلبة ويبدعون فيها. ويستمر الحال كذلك إلى أن يبدأ ظهور القوانين والمعادلات. هنا يبدأ التجهم بالظهور على الوجوه، ويبدأ الأمر يأخذ منحى غير مرغوب فيه.
فسواء كنت تتكلم عن قسمة فطيرة إلى ستة أجزاء ثم وضع كل ثلث منها وحده، أو كنت تتكلم عن تعريف السرعة بأنها قسمة المسافة على الزمن أو عن قانون أوم أو عما فوق ذلك من المعادلات، فإنك ستجد تجهما ونوعا من فقد الحماسة التي بدأت باستعراض ألوان الطيف ثم التحدث عن طرق انتقال الحرارة بالتوصيل والحمل.
هل المشكلة إذن في المعادلات؟ لا شك أن القدرة على تحويل المسائل الكلامية إلى رموز وبالتالي إلى معادلة هي محطة مهمة للانتقال إلى المرحلة التالية من دراسة الفيزياء. ولا شك أيضا أن الدخول إلى علم الجبر المجرد دون إقرانه بأمثلة من الحياة العملية يجعله أشبه بلعبة الورق (الشدة) التي فيها قواعد وقوانين لكن دون هدف ربما سوى التسلية.
إذن فالمرور من الوصف بالكلمات إلى الوصف والتعامل والحل بالرموز والمعادلات هي بداية طريق الافتراق بين الطلبة وبين الفيزياء وهذا ما تراه يتعمق ويتجذر عند معظم الطلبة نفورا وكراهية للفيزياء بدأ من الصف التاسع وحتى نهاية الثانوية. وكثير منهم يختار تخصصات بعيدة عما تدخل فيه الفيزياء، وخاصة تخصصات ” ستيم” وهي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، هربا من معادلات وقوانين الفيزياء. ثم بعد عقد أو نحوه عندما يأتي ابنه أو ابنتها لدراسة مادة الفيزياء، نجده يقطب ويتجهم وتسري في عروقه رعدة تنتقل بالتأثير إلى الأولاد فيدخلون المادة بتوجس.
فإذا لم يكن المعلم موهوبا ولم يستطع أن يزيل آثار النفور الذي بدأ مبكرا بالمعادلات وعززه تجهم الأهل، فسوف يعيد الطالب على الأغلب سيرة والده أو والدتها في أدائهما في دراسة الفيزياء. وسيعزز هذا تكرارا، شعور الكراهية والنفور من مادة الفيزياء وكل ما يمت لها. وإذن  فكيف نقدم الفيزياء للأجيال الجديدة (وحتى الناضجة) دون عبور هذا النفق المخيف الذي يجعل الطلبة يبحثون عن أقرب مهرب للنجاة والإفلات منه إلى غير رجعة؟ هذا ما سأناقشه في المقالة التالية: الفيزياء والمعادلات.

محمد عوض الله



unriyo