العام الجديد 2022

وصلنا العام ذو الرقم المميز، وصل في ظرف غير عادي، تعيش فيه البشرية فترة لم تخبر مثيلا لها من قبل. ليس من ناحية الأحداث والمستجدات التي تستعصي على المشتغلين بدراسة التاريخ والتنبؤ بملامح العهد القادم، ولكن من ناحية غربة الإنسانية عن هويتها. لم تعد القومية أو الوطنية ولا حتى الأيديولوجية قادرة على توحيد و”تكتيل” البشر. فمع السباحة في بحار تطبيقات التواصل الاجتماعي، ومع تنوع هذه التطبيقات من حيث المنشأ والسياسات والأهداف، فقد انصهر المستخدمون في حساء من القيم والنظم والأعراف والأذواق، لا تتفق مع أي من الحضارات السائدة أو البائدة، ولا يمكن ان تعزى إلى تطور فكري أو فلسفي ذو جذور أو منابع.

هذا الحساء الذي لا يزال تحت الطبخ، لا تعرف له وصفة ولا طباخ، بل ان تذوقه في كل مرة يعطينا نكهة لم نتخيلها ولا توقعناها بعد كل من “التذوقات” السابقة. وحيث أن المقبلين بشهية على هذا الحساء الغريب هم جل شباب البشرية، فهذا ما يصعب مهمة كل من التربويين والآباء والمخططين الاستراتيجيين وحتى قادة الفكر والسياسة. لأن اللعبة تدور الآن بقواعد بعيدة كل البعد عن كل ما يدرس في كليات العلوم الاجتماعية والإنسانية وحتى التنمية البشرية.

 وتبرز في هذا الخضم مصطلحات ومجالات لم تكن في الخيال من عقدين خليا، فجاءت مجالات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وهندسة الجماعات البشرية وديناميكا الفوضى. وغابت قيم ونشأت أخرى على مستوى الأفراد والدول، فحققت الهندسة العكسية نتائج كبيرة في استنساخ إنجازات وابداعات الآخرين، لا في مجال الحروب والأسرار العسكرية، بل في التطبيقات التجارية العادية، هكذا بكل بساطة.

وصلنا عام 2022 ليس لينقلنا خطوة أخرى نحو الرخاء البشري والسلام العالمي الذي كانت تتغنى به البشرية وسط منشورات أممية تغرقنا في حلم التكنولوجيا التي تنتشل البؤساء في أدغال العالم النائية من ظلمات الفقر والجوع إلى حياة مرفهة توفرها الكهرباء الشمسية بآبار الماء والمحاصيل المعدلة وراثيا لتنمو في أرضهم وتسد رمقهم. أحلام كثيرة حلقت مع خيالات متابعي جولات سفراء “النوايا الحسنة” و”الطفولة” وربما “مفاتيح الجنة”، لكنها أسفرت في الصباح لأصحابها عن أضعاث أحلام جلبت وراءها كوارث وحروب وفساد معلن ومقنن، وتوجت بانفجار جائحة كورونا وامتدادها شرقا وغربا، في كل أصقاع الكوكب. لقد وصلنا 2022 ليعيدنا خطوتين أو ثلاث باتجاه حياة وظروف أكثر تقشفا، يستبدل فيها البعض حياة اللوز والسكر بحياة الحمص والفلافل، بينما يبحث البعض الآخر عن الخبز اليابس الذي ربما لا يجده.

كل هذا و”شباب الكوكب” يسبحون في بحر الحساء الافتراضي المتغير في كل يوم، لا يدرون إلى أين يتجهون ولا يبالون بذلك. ربما رفع أحدهم رأسه لينظر إين وصل الركب، لكنه سرعان ما يجذبه “صديقه” أو “صديقته” للغوص في حساء الوهم ليواصل الركب طريقه الافتراضي نحو المجهول…

كل عام وأنتم بألف خير…

محمد عوض الله



unriyo