تحد كبير للعرب.. ChatGPT

مر أقل من شهرين على إطلاق هذا التطبيق أو البرنامج، وقد وصل عدد مشتركيه إلى 13 مليونا، وهو في تصاعد كبير.

برنامج يجوس في كل المحتوى المعرفي على الإنترنت، ثم يأتيك بصياغة يؤلفها جوابا لسؤالك حول أي موضوع يرد على بالك. هو لا ينسخ ولا يجتزئ من هنا أو هناك. بل هو يبحث، يجمع، “يهضم”، ثم يصوغ بطريقته الخاصة، ليعطيك الجواب على شكل فقرة، صفحة، أو حتى عشر صفحات. ولا يمكن أن تجد هذا “منسوخا” أو مأخوذا مباشرة من أي مكان بعينه، ما يعني أن هذا النص يتم توليده من محتويات مختلفة باستخدام الذكاء الصناعي.

هذا بحد ذاته ليس شيئا سيئا، بل بالعكس انه يخدم ويسهل ويبسط بل ويقرب البعيد. ولكن، الأمر هنا أنه لسهولته يجد إقبالا عليه وشغفا كبيرا من الناس، ما يفوق بأضعاف كثيرة أي محرك بحث مثل جوجل وسواه. وهذا ما سيجعله تدريجيا المرجع الأكثر استخداما وربما في المدى البعيد الوحيد لكل من يريد أن يعرف شيئا عن أي شيء. وهنا تكمن الخطورة.

فأولا، يتحكم في هذا البرنامج مجموعة من المستثمرين الكبار الذين يسيطرون أصلا على كبريات منصات التواصل الاجتماعي. ونحن نعلم جليا مدى التحيز والسيطرة الموجهة على المحتوى الذي يمارس هناك على كل ما لا يوافق هوى وسياسات ومعتقدات الغرب وتحديدا الولايات المتحدة، وربما فئات معينة فيها. هنا يبدو الأمر أشبه بإطفاء جميع الأضواء على المسرح، وتسليط ضوء واحد على لاعب واحد. وعلى الجميع أن يستمع لكل ما يقول.

وثانيا، يستقي هذا البرنامج المادة التي يستخدمها من المحتوى الموجود، لكنه يأخذ من المحتوى اللغوي الذي ينتمي إليه السؤال. فمثلا إن سألت عن قضية التبت الصينية جاءك بجواب مستقى بشكل رئيسي مما هو موجود بالمحتوى الصيني، وإذا سألت عنها بالفرنسية جاءك بجواب مستقى بشكل رئيسي من المحتوى الذي يتحدث عنها بالفرنسية، أي الذي يعرض في الغالب وجهة نظر من يكتبون بالفرنسية.. وهكذا. فهو يستطيع أن يتخطى حواجز اللغة، لكن اعتماده بشكل رئيسي يكون على المحتوى اللغوي الذي يصاغ به السؤال.

هنا تكمن مشكلة وتحد كبير للعرب بشكل رئيسي. فمعظم ما نكتبه عن قضايانا هو باللغة العربية، وقليل منا من يكتب عنها بالإنجليزية. وحيث أن معظم من يمكن أن يبحثوا عن قضايانا من بقية شعوب العالم سيستخدمون الإنجليزية، فسوف يجدون ما يكتبه الغرب عنا، وهذا في الغالب متحيز وغير منصف. تخيل مثلا أن يسأل مواطن نيبالي عن مشكلة دارفور، بالإنجليزية طبعا، فما الذي سيقال له؟ أو أن يسأل فلبيني عن مخيم جنين، أو عن صبرا وشاتيلا.

سيسأل البعض، وهل كان جوجل منصفا معنا؟ والجواب لا، لكن جوجل كان يأتيك بوثائق أو روابط فقط، تعرف مصدرها وعلى من تحسب. ولا يصوغ لك قصة تظهر كأنها من بنات أفكاره.

هذا المنحنى الذي ستأخذه عمليات البحث، مع الأخذ بالاعتبار تحكم مالكي البرنامج بما يحجب وما يتصدر ويلمع، سيؤدي تدريجيا الى طمس روايات صادقة لثقافات وشعوب، وإلى محو قضايا بأسرها من الذاكرة الجمعية الإلكترونية للكوكب.

والمطلوب إذن؟

المطلوب أن نبدأ فورا كعرب، بزيادة مساهمتنا في المحتوى الموجود باللغة الإنجليزية، والكتابة بطريقة متقنة بسيطة ومقنعة حول قضايانا وثقافتنا وتقاليدنا. وربما كان هذا الآن دور شباب المهجر، أبناء المهاجرين العرب الذين لا يحسنون الكتابة بالعربية، فعلى الأقل ليقدموا ما يستطيعون لخدمة أمتهم بالإنجليزية.. وهذا لعمري أضعف الإيمان.

 

د. محمد عوض الله



unriyo