التصوير السيني لذرة منفردة

بتقنية جمعت بين التحليل الطيفي للأشعة السينية وبين المسح النفقي المجهري تم الحصول على صورة بالأشعة السينية لذرات منفردة. (مقال مترجم)

يوفر التحليل الطيفي للأشعة السينية أدوات رائعة لدراسة تكوين وهيكل العينات ذات الصلة بالبيولوجيا والكيمياء والدراسات البيئية وعلوم المواد. فهو لا يستطيع فقط فحص “بصمات” عناصر كيميائية معينة في العينة، ولكنه يكشف أيضًا عن ثروة من المعلومات حول الحالات الكيميائية والترتيب الهيكلي للذرات في تلك العينة. ومع ذلك، فحتى الآن، كانت التجارب بحاجة إلى آلاف الذرات – أو “أتّوجرام” [  10-18جرام] من كتلة العينة – للحصول على إشارة نظيفة كافية.

والآن، تمكن فريق بقيادة ساو واي هلا من جامعة أوهايو ومختبر آرغون الوطني في إلينوي، لأول مرة، من قياس أطياف الأشعة السينية للذرات المفردة [1]. تم تحقيق هذا الاختراق بتقنية تجمع بين التحليل الطيفي للأشعة السينية مع تقنية تمييز الذرة المفردة الأولى – المسح المجهري النفقي.

فالمسح النفقي المجهري (STM) الذي تم تطويره في عام 1981، قد جعلنا نعتاد على مناظر رائعة للعالم المجهري. وقبل عقد من الزمان، أبدع باحثو IBM الفيلم “الأصغر” في العالم: “طفل وذرته”، الذي تتكون إطاراته من جزيئات تم تحريكها باستخدام إبرة  STM . ومع ذلك، لا يقدم STM معلومات عن الأنواع الذرية. فحسب قول الباحث هلا: “أنا أصور الذرات بشكل روتيني وأتعامل معها باستخدام STM لكنه وحده لم يتمكن من تحديد أنواع الذرات الموجودة في عينة غير معروفة”.

 

إن عدم قدرة المسح المجهري النفقي على هوية العناصر سببها أن التيار النفقي المقاس بإبرة الماسح يتعامل مع الإلكترونات التي يسهل سحبها من الذرة (أي إلكتروناتها الخارجية)، والتي لا تكون خصائصها دالة على هوية العنصر. من ناحية أخرى، يستهدف التحليل الطيفي للأشعة السينية الإلكترونات العميقة في الذرة، والتي يمكن أن تظهر بصماتها الفريدة على شكل خطوط امتصاص خاصة بالعنصر. علاوة على ذلك، يمكن أن تكشف تفاصيل خطوط الامتصاص هذه معلومات حول الحالة الكيميائية للذرة، مثل كيفية مشاركة الإلكترونات مع جيرانها. ومع .ذلك، فإن امتصاص ذرة واحدة للأشعة السينية يكون ضعيفا للغاية، لدرجة أن هناك حاجة إلى العديد من الذرات لإنتاج إشارة قابلة للقياس على الكاشف

لقد عمل هلا وفريقه لسنوات للجمع بين أفضل ما في التقنيتين (الدقة الذرية للمسح المجهري النفقي والحساسية الكيميائية لمطياف الأشعة السينية). حيث يستفيد منهجهم من تقنية تم إثباتها سابقًا تسمى الأشعة السينية السنكروترونية. ففي هذه التقنية، يتم مسح عينة ما ضوئيًا بواسطة إبرة الماسح النفقي، أثناء تعرضها للشعاع السيني الذي يتم توصيله من السنكروترون. وتسجل الإبرة تياراً نفقياً كبيراً عندما تتطابق طاقة الأشعة السينية (حالة رنين) مع طاقة أحد المستويات الإلكترونية العميقة في ذرات تلك العينة. ومن خلال قياس القيم المختلفة للتيار أثناء تغيير طاقة الأشعة السينية، يمكن للباحثين الحصول على طيف امتصاص الأشعة السينية للعينة الموجودة تحت الإبرة.

على الرغم من توفر تقنية المسح المجهري النفقي بالأشعة السينية السنكروترونية SX-STM، وتطبيقها في التصوير على المستوى النانوي منذ عام 2009 [2]، فإن خفض الدقة إلى ذرات مفردة كان أبعد ما يكون عن البساطة، كما يقول هلا. فقد كان التحدي الرئيسي هو إعداد عينة مناسبة يمكن فيها تمييز ذرة ما بعينها، عن محيطها، ليتم قياسها بشكل موثوق. وللقيام بذلك، قام الفريق بتصنيع تجمعات لجزيئات عملاقة، والتي سمحت بوضع ذرة واحدة في موضع (أو مواضع) مختار يمكن التحكم به.

في هذا العمل الجديد، درس الفريق عنصرين مختلفين، الحديد [Fe-26]   والتيربيوم [Tb-65]، حيث تم وضع كل منهما في جزيء عملاق يعزل الذرات المستهدفة عن الذرات الأخرى المحيطة. ويضمن هذا التصميم أن تيار الإبرة المقاس يعود بشكل لا لبس فيه إلى ذرة واحدة. فلدى مسحهم، على سبيل المثال، بالإبرة على طول جزيء يحتوي على ذرتين من التيربيوم، سجل الباحثون أطياف الأشعة السينية المتوافقة مع “القشرةM ” للتيربيوم (والتي تتضمن انتقال الإلكترونات العميقة من مستوى 3d إلى مستوى 4f). وفي تجربة ثانية على جزيء عملاق آخر، اكتشفوا “القشرة L ” للحديد (والتي تتضمن الانتقالات من مستوى 2p إلى مستوى 3d) عند النقاط التي تحمل الحديد داخل الجزيء العملاق.

وفضلا عن تحديد ذرات الحديد والتيربيوم في العينات، أظهرت النتائج أيضًا إمكانية الكشف عن التفاصيل الكيميائية الدقيقة. فقد أكد تحليل الأطياف، على سبيل المثال، أن الحديد في حالة أكسدة +2 وأنه يتفاعل بشدة مع محيطه (من الناحية الفنية، تختلط أو تتهجن أفلاك d للذرة، مع أفلاك p لذرات النيتروجين الست المجاورة) وبالنسبة للتيربيوم، فقد أكد الفريق خاصية متوقعة، وهي انعزاله عن محيطه بسبب عدم تهجينه أفلاك f). وهذا الاقتران الضعيف هو مفتاح العديد من التطبيقات التكنولوجية للتيربيوم والعناصر الأرضية النادرة الأخرى.

يقول مايكل كرومي، عالم فيزياء المادة المكثفة من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، والذي لم يشارك في الدراسة: “إن فكرة إجراء التحليل الطيفي بالأشعة السينية على ذرة واحدة هي فكرة غير عادية تمامًا، وإجراء مثل هذا القياس بشكل صحيح هو إنجاز بارع”. بينما يقول توماس يونج، الفيزيائي التجريبي في معهد بول شيرر في سويسرا: “إن القدرة الظاهرة علة تمييز ذرات تبعد عن بعضها أنجسترومات قليلة هي حقاً أمر مذهل”. ويضيف: “إن قوة تمييز الذرات المنفردة هذه يمكن أن تساعد في فهم وتصميم ما يسمى بشبكات ترابط المواد “المعدنية-العضوية” والتي تبشر بتطبيقات بدأً من التحفيز السطحي إلى تقنيات الكمومية”.

يقول هلا أن فريقه يعمل على زيادة تحسين تجهيزاته، وعلى وجه الخصوص، يهدف الباحثون إلى إجراء قياسات باستخدام الأشعة السينية المستقطبة. حيث ستجعل هذه المقاربة التجربة حساسة لحالة غزل (برم) ذرة منفردة، والتي ستكون قيمتها لامحدودة في دراسة مواد العناصر الأرضية النادرة، التي لها تطبيقات محيرة في مجال الإلكترونيات الغزلية (التي تعتمد على غزل الإلكترون وشحنته معاً) وتقنيات الذاكرة المغناطيسية.

– ماتيو ريني

ماتيو ريني هو محرر مجلة الفيزياء.

مراجع

1-  T.M Ajayi وآخرون ، “توصيف ذرة واحدة فقط باستخدام الأشعة السينية السنكروترونية. ” Nature 618, 69 (2023)

2-  T. Okuda   وآخرون ، “التصوير الكيميائي النانوي عن طريق مسح المجهر النفقي بمساعدة إشعاع السنكروترون ،” Phys. Rev. Lett. 102, 105503 (2009)

 

مقال مترجم – المصدر: https://physics.aps.org/articles/v16/96?utm_campaign=weekly&utm_medium=email&utm_source=emailalert



unriyo