أين مسابقات وأولمبيادات الفيزياء في الوطن العربي؟
لا يختلف اثنان على أهمية التنافس والمسابقات في إثراء النشاطات التعليمية بين الطلبة وفي إذكاء الحماس والدافعية الإيجابية للعمل والبحث العلمي. وإذا نظرنا إلى المنظومة التعليمية في كل بلد عربي على حدة، حيث يفتقد للأسف مصطلح منظومة التعليم العربية، فإننا لا نكاد نجد مسابقة ذات طابع جاد ومؤثر تساهم في رفع مستوى التنافس على مستويات أعلى من التقدم والانجاز لدى الطلبة، خاصة في المجالات العلمية والتطبيقية، وتحديدا في الفيزياء والرياضيات.
وإذا كان من جهد أعلمه في هذا الصدد، والذي إن وجد فينبغي أن يكون معلنا وأن يصل إلى القاصي والداني في أرجاء العالم، أقول إذا وجد من جهد فهو بعض البرامج التي تبنتها محطات فضائية خليجية هي في الغالب من النوع الترفيهي الذي يسعى لإمتاع المشاهدين وتقديم مادة تثري المحتوى الإعلامي للقناة. ورغم أنني لا أسعى هنا للتقليل من الناتج الإيجابي لهذه البرامج، إلا أن هذا النوع من النشاط ليس هو المقصود عند الحديث عن برامج التنافس والمسابقات المنهجية المنظمة التي تتم بشكل دوري على مدار العام وتتضمن تصفيات بين المدارس في المديرية التعليمية الواحدة وصولا إلى البطولة على مستوى الدولة ثم الوطن العربي والعالم.
هناك الكثير من المسابقات والأولمبيادات العالمية التي تنظم سنويا، وربما شارك بها طلبة عرب وحققوا مراكز متميزة يفتخر بها. لكن هذا في الغالب يتم بمبادرة المدرسة المعنية وربما أحيانا بمشاركة فردية من الطالب وأهله. ولعل أخبار هذه الإنجازات تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي بضعة إيام ثم تندثر تحت الكم الهائل من الأخبار والمشاركات الأخرى، وينسى الموضوع بعدها.
ما ندعو إليه هنا هو برنامج منظم للتصفيات تضعه وزارات التعليم العربية في خططها وموازناتها وتشرف عليه الإدارات التعليمية وتنفذه إدارات المدارس والكوادر التعليمية، ويحظى بدعم وتشجيع واحتفال أولياء الأمور والمنظمات والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام. هذا البرنامج ينبغي أن يكون له موسم واستعدادات ومراسم وتصاحبه نشاطات دعائية وهالة إعلامية ومشاركة رسمية وشعبية كبيرة. ولا ينبغي أن يقل زخم هذا النشاط عن زخم البطولات الرياضية من كرة القدم إلى ما سواها من بطولات.
ولعل من التجارب الفريدة الناجحة جدا في هذا الصدد والتي تصلح نموذجا يحتذى به في الوطن العربي، تجربة الجمعية العربية للروبوت، التي تمكنت من التأسيس الناجح لتعليم الروبوت وتنظيم المسابقات بنجاح على مستوى المدارس ثم المديريات التعليمية ثم الدول، والمشاركة في المسابقات العالمية التي كان من ثمارها فوز الفريق الأردني ببطولة العالم في المسابقة الي عقدت في هيوستن بالولايات المتحدة في صيف 2018.
وحيث أن هناك الكثير من أولمبيادات الفيزياء والرياضيات التي تعقد سنويا في كثير من دول العالم القريبة منها والبعيدة، فإن استقصاء ودراسة هذه التجارب والاستفادة منها لبدء العمل على تنظيم هذه المسابقات على نطاق واسع في الوطن العربي قد أصبح الآن ضرورة ملحة، يمليها الواقع المتدهور لتعليم العلوم والرياضيات في معظم البلدان العربية، ويدفع إليها تدني الإنتاج العلمي الابتكاري والإبداعي في معظم مجالات العلوم التكنولوجية والهندسية في الوطن العربي.
ولا شك أن هذا كله يجب أن تسبقه الإرادة والقرارات التي تكفل دعم وتمويل هذه البرامج، والتي ينبغي أن تكون ضمن أولويات وزارات ومؤسسات التعليم في كافة أنحاء الوطن العربي. وربما يتوجب على المعلمين وأولياء الأمور والقائمين والمهتمين بدعم هذا الجانب من العلوم بدء حملة جدية ومكثفة لمطالبة المسؤولين وأصحاب القرار بوضع هذه البرامج على جدول الأولويات للسنوات الدراسية المقبلة.
د. محمد إبراهيم عوض الله