تحويلنا من مستخدمين إلى زبائن
عندما كانت السلع بسيطة والأجهزة بدائية، كان اهتمام بعضنا عند شرائها أو استخدامها هو كيف تعمل وما هي المبادئ العلمية التي تعمل بموجبها. فكان أحدنا يقرأ عن عمل التلفاز والراديو وآلة التسجيل. كان يجد شرحا بسيطا يعطيه فكرة عن مصدر هذا الصوت الخارج من الصندوق الخشبي دون ان يكون بداخله أو وراءه أحد. هكذا على الأقل كنت أعتقد عندما كنت في الخامسة من عمري.
ويوما بعد يوم تدفقت المنتجات وزادت خدماتها جودة وتعقيدا ولكن أصبح الحديث عن عملها وكيف تقوم بما نراه، أصبح هذا الحديث يخفت ويتلاشى، وأصبح العثور على من يعطيك فكرة مبسطة عن عملها أكثر صعوبة. وبالتدريج أصبح اهتمامنا يبتعد عن البحث في كيفية عمل هذه الأجهزة وفترت همتنا وهمة الأجيال الجديدة حتى عن طرح هذا السؤال.
حسنا، لنعترف أن المسألة ليست بهذه البساطة وأن الأمر أصبح فعلا معقدا. فمن الذي سيشرح لي كيف تعمل شاشة اللمس في جهاز الهاتف النقال، أو كيف يهتدي جوجل إلى الموضوعات التي تهمني من خلال تصفحي للإنترنت أو البحث عبر أمازون مثلا. نعم، أصبحت هناك الكثير من العمليات المعقدة المتداخلة والمتكاملة التي تعمل بموجبها الأشياء. ولم تعد شاشة التلفاز تحوي ذلك القاذف الإلكتروني وملفات التوجيه والتسطير.
لكن هذا وقد تم تقبله وتجاوزه لم يكن نهاية المطاف مع شركات التكنولوجيا. فأن تشتري جهازا لا تعلم كيف تعمل الدوائر والقطع المعقدة بداخله، أمر نستطيع العيش معه، ما دمنا قد دفعنا ثمن الجهاز وأصبحنا “نمتلكه” نعم نمتلك ونستخدم كل ما فيه بحرية، أو على الأقل هذا هو المفروض.
لكننا اليوم ندخل حقبة جديدة، تصبح فيها مالكا “لحديد” الجهاز فقط وعليك أن تدفع مقابل كل شيء تريد استخدامه في داخل هذا الجهاز، تدفع بشكل دوري منتظم وليس مرة واحدة وفقط.
مثلا، أصبح استخدام Microsoft Office باشتراك تدفعه كل عام، بعد أن كنت تشتري الرخصة وتدفع لها مرة واحدة، ولا تحتاج أن تدفع إلا لشراء رخصة جديدة. كذلك برامج مكافحة الفيروسات، عليك أن تشتري اشتراكا سنويا، فإذا انتهى ولم تجدده حجبت عنك الخدمة. وعلى الطريق يتم “تأجير” كل خدمة إلكترونية ببدل شهري أو سنوي وإذن فأنت لم تعد تملك شيئا وأصبحت كالمستأجر المهدد بإخلاء بيته إذا تخلف عن دفع قسط واحد من الإيجار.
وهكذا، وبعد أن كنا نسمى مستخدمين لأجهزتنا الخلوية والحاسوبية أصبحنا زبائن مستأجرين لهذه الخدمات، وعلينا الخضوع لشروط المزود أو الاستغناء نهائيا عن هذه الخدمة.. والله المستعان.
محمد عوض الله