بناء الثقة

سلسلة تبسيط الفيزياء …

من العوامل المهمة في تمكين الطلبة من الخوض والتعمق في موضوعات الفيزياء، الحفاظ على الثقة. وهذا يتطلب وقتا وجهدا وربما صبرا وأناة حتى تضرب جذور هذه الثقة في نفس الطالب. وعندها نحتاج للحفاظ عليها وتنميتها من خلال مراقبة التحديات والتمارين التي نضعها في طريق الطالب أثناء مسيرته التعليمية.

كثير من الطلبة يفرح ويفخر بأنه اجتاز موضوعا معينا في الفيزياء وتبدأ الثقة تنبني عنده بأنه قادر على الاستمرار والابداع والتميز، حتى يأتيه التحدي التالي على شكل واجب أو امتحان أو اختبار قصير يكون المعلم قد اجتهد في “تصعيبه” لكي “يرفع من سقف قدرات الطلبة” في أحسن ما يمكن أن نظن. ولكي “يحطم غرور الطلبة ويسهل فرزهم إلى مستويات!!” في أسوأ ما يمكن أن نظن. أما الافتراض المتطرف بأنه “يريد أن يثبت لهم أنهم ليسوا على شيء” فهذا الافتراض أود استبعاده مع أنه يمكن أن يحدث أحيانا.

طيب، هل سأل أحد هذا المعلم نفسه عما ستكون عليه ثقة الطالب بقدرته في الفيزياء بعد هكذا امتحان أو واجب، يجد الطالب نفسه عاجزا أمامه فيظن أنه لم يخلق لدراسة الفيزياء ويبدأ في وضع الأساس لجدار من النفور بينه وبين الفيزياء، ويعلي بناءه يوما بعد يوم حتى يصبح في سنوات قليلة جدارا عاليا لا سبيل إلى اجتيازه.

كانت نصيحة أستاذنا الكبير د. فتحي جروان رحمه الله، رائد تعليم الموهوبين في الوطن العربي:

إن أفضل امتحان تضعونه، لن تزيد فعالية قياسه لقدرات الطالب في الموضوع على 50%. لذلك، لا تعولوا كثيرا على العلامات والدرجات التي تفرزها هذه الامتحانات“.

كان تقويمنا للطلبة في مدرسة اليوبيل للطلبة الموهوبين يبنى على عدة معايير ومنها ما يعتمد على إتاحة الفرصة للطالب لإظهار قدراته وإمكاناته من خلال نشاطات فردية يتفق عليها معه حيث يقدم فيها ما يشاء وكيف يشاء ليتم تقويمه عليه. وكان من الأمور الهامة جدا تجنب التعزيز العام، من خلال امتداح عمل أحد الطلبة أمام الآخرين حتى لا تشعرهم بدونية، بل تعزيز روح التعاون والتعاضد في عمل جماعي يشعر كل فرد فيه بالثقة الجماعية التي يصعب أن تهدم بسبب امتحان أو واجب مدرسي.

إن إشعار الطالب حقيقة بمقدرته على تحقيق المستوى الذي يطمح إليه هو إجراء هام لبناء الثقة، ومساعدته في تحقيق هذا المستوى بالدعم الإيجابي، يؤدي إلى جذبه أكثر للموضوع وجعله أكثر رغبة في الصعود إلى تحد أعلى يختاره بنفسه، ويبني لديه ثقة متزايدة في إمكانية وصوله للمستوى المطلوب من خلال تقويم ذاتي ما يفتأ هو بنفسه “يصعبه” ويتحداه حتى يصبح واحدا من نفتخر بأدائهم في الفيزياء حبا وشغفا لا منافسة فارغة يخوضها مضطرا دون رغبة منه أو استمتاع.

محمد عوض الله



unriyo