الأستاذ الدكتور عيسى شاهين

أ. د. عيسى شاهين يتوسط أ. جميل خليفة وأ. د. سائد دبابنة في حفل تكريم الجمعبة الفيزيائية للدكتور عيسى شاهين الشهر الماضي.

ذات يوم أو باﻷصح ذات ليلة من صيف إحدى سنوات نهاية الثمانينات اجتمعنا أربعة من الأصحاب في قسم الفيزياء بالجامعة اﻷردنية على موعد مع المرصد الفلكي الموجود فوق القسم والذي لم يستخدم لسنوات عديدة. جاء الدكتور وصعدنا إلى السطح بعد العشاء بقليل حيث فتح لنا الدكتور باب السطح ثم مشينا لأول مرة إلى تلك القبة الفضية التي تراها من عدة أماكن في الجامعة ومن خارجها، لكنها كانت المرة اﻷولى لنا لندخلها، وأحسب أن قليلون هم من دخلوها بعدنا.

صعدنا درجات السلم اللولبي خلف الدكتور إلى حيث يقع التلسكوب تحت القبة الفصية، وبكبسة زر انزاح الباب الحاجز المنزلق من القبة ليفتح البوابة إلى السماء أمام عدسة التلسكوب. وانهمك الدكتور في تحريك التلسكوب إلى أعلى وإلى أسفل وتوجيهه باستخدام الازرار التي تديره وتحركه، حتى بدأنا نرى شيئا في العدسة الشيئية. كانت سماء الجامعة ملوثة ضوئيا ولكننا كنا مصرين على ألا نعود بخفي حنين. وكان الدكتور لا يقل عنا حماسا لرؤية ما يمكن من الكواكب والأقمار هذه الليلة

رأينا حبال القمر وأقمار المشتري بوضوح. لكن أكثر ما رأيته روعة كان كوكب زحل بحلقاته. كانت تلك المرة اﻷولى التي أراه بالتلسكوب، وانطبعت صورته تلك في ذهني إلى يومنا هذا. نعم لا زلت أذكر تلك الصورة الباهتة قليلا لكنها تبين الكوكب وحلقاته بجلاء ووضوح.

أنهينا الرصد حوالي الساعة الحادية عشرة، وتكرم الدكتور مشكورا بتوصيلنا بسيارته إلى خارج بوابة الجامعة حيث لم يكن من السهل لنا التنقل داخل حرم الجامعة في هذا الوقت المتأخر

كان الدكتور عيسى شاهين رائعا منذ عرفته وأنا طالب في الصف الثاني الثانوي، من خلال برنامج دروس الفيزياء في التلفزيون التربوي لوزارة التربية والتعليم، وبعد أن دخلت قسم الفيزياء وتعرفت عليه شخصيا، ودرست معه بعض المواد، وكنت أرغب بشدة في العمل معه في البحث، وقد حظيت بهذه الفرصة بمجرد دخولي برنامج الماجستير حيث صارحته أنني كنت أتطلع للعمل معه منذ كنت في الثانوية. وبالفعل فقد عملت معه في مختبره في بحث الماجستير وكان أستاذي المشرف على رسالتي وتعلمت منه الكثير من الفيزياء ولكن أيضا الكثير من المواقف والأفكار في الوطنية والانسانية.

أستاذنا الكبير، أدين لك بالكثير ويدين لك الكثيرون من زملائي وزميلاتي كذلك، وأنت من الرعيل الأول من مؤسسي قسم الفيزياء الاول في الاردن، لا ننسى فضلك ولا معروفك، ولا ننسى متعة الجلوس في محاضراتك سواء في الفيزياء الأساسية أو المتقدمة. ولا زلت أذكر، وأستعير أحيانا في محاضراتي، أسلوبك التساؤلي المشوق الذي يدفع الطالب للتفكير في الجواب بدل انتظاره. ولا زلت أذكر أيضا وأحب تعاملك مع طلبتك كأصدقاء وزملاء وإخوة، وأحب التواضع الأصيل الذي غمرتنا به جميعا، محاولاتك لتسهيل وتيسير أمور الطلبة خلال فترات توليك رئاسة قسم الفيزياء خلال تدريسك في الجامعات الاردنية الاخرى.

والان، وبعد أن وصلت التقاعد، وبعد أن أصبحت حصيلة خبرات الحياة والعلم ناضجة الثمر، فإنني أرجو الله أن يمتعك بالشفاء التام وبموفور الصحة والعافية وأن يخفف عنك كل الآلام والأوجاع، ثم أرجو من الاخوة أن ينشئوا لك منصة على الإنترنت لتشارك فيها خواطرك وأفكارك وهمومك عن أحوال الأمة وما تنصح وتوجه به الشباب الجدد الذين لم يتمكنوا أن يكونوا طلبتك. نتطلع للتواصل والتفاعل معك يا دكتور لاستمرار الاستزادة من علمك وتجربتك وخبرتك، وأرجو أن نرى ذلك قريبا..

ختاما، وأنا أوجه التحية والتقدير لأستاذي الكبير الدكتور أبو سليم، فإنني أحيي أيضا جميع أساتذتي الأجلاء في قسم الفيزياء وأرجو أن التقيهم قريبا في أول زيارة لي إلى عمان، إن شاء الله.

محمد عوض الله



unriyo