نحن والقمر جيران

صورة الأرض من مدار حول القمر التقطتها أبوللو 8 في كانون الاول 1968

نحن والقمر جيران ♫♫

بيته خلف تلالنا ♫ .. بيطلع من قبالنا ♫ .. يسمع الألحان ♫..♪..♪..

إذن فالقمر جارنا، وهو أقرب أجرام السماء إلينا، بل هو الرفيق الملازم لنا طوال العمر. بيطلع من قبالنا، لكن هل فعلا يسمع الألحان؟ وهل يعلم سكان القمر أن الأرض هي مرجعه أم على العكس هم يظنون الأرض تابعا له؟

من الناحية النسبية، لو أخذنا القمر مركزا لنظام الأرض – القمر، فالأرض تدور حول القمر. لكن ماذا يشاهد سكان القمر؟ هذا سؤال تعتمد إجابته على أين يقيم هؤلاء السكان. نعم، فهناك نصفان للكرة القمرية، نصف يقابل الأرض ونصف يستدبرها. أما سكان النصف المقابل فإنهم يشاهدون الأرض معلقة دائما في الأفق، تصعد قليلا أو تهبط لكنها دوما تظهر كرقيب حارس وهي ترى وتسجل كل ما يفعل سكان القمر من أعمال سواء كانت خيرا أم شرا. ويظن هؤلاء أن عقابا سيأتيهم عاجلا أم آجلا إذا ما ارتكبوا أية خطيئة أو جريمة. ويستغربون من إصرار الأرض على مراقبتهم والتحديق فيهم.. بل واجالة النظر في كل ارجاء القمر. فهم يلاحظون كيف تتحرك هذه العين وتدور تفاصيلها الزرقاء والصفراء التي تغشاها سحب بيضاء احيانا.. ما يجعلهم واثقون انها انما تجيل البصر في كل ركن وبقعة من بقع سهول وهضاب القمر منقبة عن أي مذنب او مخطئ لتسجل عمله بانتظار معاقبته. ومما يزيدهم خوفا وخشية، ان الارض تبقى مصرة على المراقبة حتى عندما تطلع الشمس وتسير وئيدة في السماء وتمر قربها، تبقى ماثلة ولا تغادر مكانها قيد انملة لتفسح للشمس، وكذلك الشمس لا تعيرها أي اهتمام بل تتركها وتمضى في مسارها الى الغروب الارض مستمرة في مهمة المراقبة.

وعندما يسافر أحد سكان هذا الوجه لزيارة أقاربه في الوجه المعاكس، يأخذهم الحديث عن الكوكب الحارس الذي يتحدث عنه الضيف، والذي لا يرون أثرا له عندهم. فتزداد قناعتهم أنهم محظوظون وأنهم معفون من المراقبة وعليه فإن ذنوبهم هي بالتأكيد مغفورة وأن أهل الوجه المقابل لا يرقون إلى مكانتهم من الشرف لذلك فقد وضعوا تحت المراقبة.

ومع مرور السنين تحول أهل الوجه المقابل للأرض إلى قوم طيبين مسالمين بينما تنامت نزعة الغطرسة لدى سكان الوجه المعاكس حتى دبت بينهم الحروب والنزاعات، ما جعل بلادهم في تخلف دائم.

في حين تقدمت الدول الواقعة في الوجه المقابل للأرض وأصبحت تتمتع برفاهية وحضارة مسالمة. لكنها لم تفكر أبدا بتطوير أي شيء يمكنه دراسة الأرض أو التفكير في الوصول إليها لما لها من قداسة في نظرهم، وهكذا فهم لم يلحظوا هبوط آرمسترونغ أو مركبته ولم يحاولوا تفسير الآثار التي تركها على تربة القمر ولا تجرأوا على الاقتراب من قاعدة مركبة أبوللو 11 التي بقيت هناك ولا العربات والمركبات التي هبطت بعد ذلك. فهم قوم يعنون فقط بشؤونهم الخاصة ولا يودون افتعال المشاكل خوفا من أن ترصدهم الأرض بعينها الزرقاء.

هذه العين التي دائما ما تفتح فتحدق فيهم فترة ثم تسبل جفونها قليلا قليلا حتى تغمض تماما لبرهة وجيزة ثم تبدأ بفتح جفونها مرة أخرى لتعود للتحديق فيهم.

لكن ما استغربوه أن عين الأرض تغمض تماما فقط عندما تمر الشمس قربها، لكنها تعود لنفتح تدريجيا بابتعاد الشمس حتى تعود للتحديق بتألق خلال فترة الليل التي تغيب فيها الشمس. وهذا ما جعلهم يعتقدون أن الشمس هي المراقب الأكبر الذي تعمل لحسابه الأرض، فهي تغمض احتراما له حين يحضر، وهكذا فقد أصبح التزامهم أكبر وسلوكهم أكثر استقامة عند حضور الشمس، التي ربما أعطت الأرض تعليمات بمعاقبتهم أن لم يعجبوها.

كذلك كان ارتفاع درجات الحرارة الهائل الذي يصاحب ظهور الشمس يخيفهم باعتباره عينة من العذاب تصبه الشمس عليهم لتتوعدهم بالويل ان ارتكب أحدهم خطيئة.. ورغم أن غياب الشمس كان يرافقه تجمد شديد من البرد فقد كانوا يفضلونه على ظهورها، فعلى الاقل يطمئنون انهم تحت عين رقابة الارض فقط بعيدا عن الرعب الذي تبثه الشمس وهي تحدق فيهم وبوجود الارض.

لكن ما كانوا يخافونه أكثر هو المرات التي تتوارى فيها الشمس خلف الأرض  أثناء مرورها، فقد كانوا يعلمون عندها يقينا أنها إنما تكمن لهم خلف الأرض  لتتصيد أخطاء بعضهم ممن يظنونها اختفت.

حتى أن اجتهاد بعضهم أخذهم لاستنتاج أن الأرض تغمض بوجود الشمس لكنها لا تتوقف عن المراقبة، حتى وهي مغمضة؛ لأن إغماضتها لا تستغرق سوى فترة قصيرة جدا تبدأ بعدها بفتح جفونها مجددا، فهي أقرب للرمش منها للإغفاء.

كانت هذه نظرة على أوضاع وحياة جيراننا الطيبين من سكان القمر، أما السكان الأشرار فنحمد الله أنهم لا يروننا ولا نراهم، وأنهم في نزاع مع بعضهم يلهيهم عنا ولا يفكرون في استطلاع هذه العين الزرقاء التي تحدق بهم في صحوها ونومها..

ترى ما الذي سيقوله ويشعر به سكان القمر لو قدر لهم أن يزوروا أرضنا ولو لبضعة أيام؟؟ خاصة إذا سمعوا فيروز وهي تغني.. نحن والقمر جيران ♫ ♫ ..

محمد عوض الله



unriyo