قصة ميمو – الحلقة الأولى
لم يعد كاسو يذكر متى التقى برفيقتيه هيرا ودورا حيث يمسكون بايدي بعضهم ليكونوا معاً جزيء ماء (ميمو) الذي يسبح بحرية بين عدد هائل من الجزيئات المماثلة. و كان هذا الثلاثي على مدى زمن طويل يقوم بالقفز واللهو مع مثيلاته من الجزيئات بشكل عشوائي وفي كل الاتجاهات دون تفضيل مكان على آخر ودون التحرك في هذا الاتجاه دون ذاك.
قال كاسو يتحدث عن مجموعته :
نحن الثلاثة نمسك بأيدي بعضنا منذ زمن بعيد فأنا أمسك بيد هيرا من جهة وبيد دور من الجهة الأخرى وبذلك فان يداي الإثنتان مشغولتان اما هيرا فليس لها اصلاً الا يد واحدة وكذلك دورا . وليس هذا عيب في الخلق لأي منهما . فالسبب هو أن كاسو هو ذرة أكسجين لديها امكانية التشارك مع ذرتين أخريين أما كل من هيرا ودورا فهما ذرتا هيدروجين يمكن لكل منهما أن تتشارك مع ذرة واحدة فقط .يمسك كاسو اذن بكل من هيرا ودورا بحيث يصنعون معاً شكل زاوية مقدارها 109 درجات ويبلغ كاسو من الكتلة 16 ضعفاً من هيرا ودورا . أي انه يستطيع أن يسحبهما معاً بأي اتجاه يريد . لكن الواقع أنه لا يحاول أن يتدخل في حركة المجموعة وكل ما يحدد تحركهم هو المؤثرات الخارجية من الجزيئات المحيطة بهم. أي ان المجموعة تتحرك فقط إذا اصطدمت أو دفعت من جزيء مجاور وهذا يتحرك بدفعه من جزيء آخر، وهكذا لك أن تتخيل هذا العالم القائم على التدافع والتصادم المستمر .
يقول كاسو أنهم لا يستطيعون التحرك دون أن يصدمهم غيرهم ، تماماً مثل كرة التنس التي لا تتحرك إلا إذا ضربت بالمضرب أثناء اللعب على طاولة التنس. ويكون تحركهم إما تلقائياً أو تذبذبياً حسب اتجاه التصادم الذي يتعرضون له فمثلاً إذا اصطدمت هيرا بجزيء آخر فإن المجموعة تنكمش بحيث تقترب هيرا من دورا قليلاً ثم تعود المجموعة لتفتح ذراعيها وهكذا تصبح الحركة دوراناً .أما اذا تلقى كاسو الصدمة فسوف تنطلق المجموعة في الإتجاه المعاكس حتى تجد المجموعة جزيئاً آخر تصطدم به. وتقول دورا وهي تضحك : لا أستطيع الإقتراب من هيرا إلا إذا اصطدم بها جزيء آخر لكنني ما أكاد أهمس لها بكلمة بعيداً عن كاسو حتى نعود فنبتعد عن بعضنا ويبدأ الجزيء كله في الدوران مما يجعل كاسو شامتاً فينا. لأننا بصراحة نغيظه بأننا نسطيع الإقتراب من بعضنا أما هو فلا يمكنه الإقتراب أو الإبتعاد عنا . هنا يتدخل
كاسو قائلاً : لكنني أستطيع سماع كل ما تهمسان به، ولدي أذنان يمكنهما معرفة ما يدور حتى في الغرفة المجاورة. قطبت هيرا حاجبيها وهي تتساءل : ماذا يعني هذا بقوله الغرفة المجاورة ؟ وما هي الغرفة ؟!.
كانت القطرة التي يوجد فيها الجزيء ميمو قد سقطت للتو ضمن زخة مطر على سطح بركة صغيرة تكونت في حفرة في أحد الشوارع الفرعية في إحدى القرى. لم يشعر أحد من أفراد ميمو أنهم سقطوا في البركة لأن ميمو كان حين ذلك في وسط القطرة. غير أن كلا من أعضاء ميمو لاحظ أن عدد الإصطدامات قد ازداد قليلاً ثم عاد طبيعياً كالمعتاد. لم يخطر لأي من الثلاثة أن يتساءل عن سبب هذه الزيادة أو ماذا يحدث حوله، ولم يلاحظ أي منهم أن بعض الجزيئات التي أصبحت تسبح بينهم تختلف عنهم في الشكل والحجم وطريقة التصادم .
سألت دورا فجأة : يا جماعة ، هل تتذكرون تلك الأيام عندما توقف التصادم بين الجزيئات ووقف كل منها في مكانه وأصبحنا نلقي التحية على جيراننا كل يوم ونحن نستغرب انهم لم يتحركوا ولم نتحرك نحن؟ ردت هيرا وهي تبدي امتعاضها: كانت حياة ملل، أعوذ بالله لم يكن بامكاننا أن نقفز أو نتشقلب أو نتجول بحرية. والله في تلك الفترة شعرت بنفسي أختنق. وحاول كاسو أن يتظاهر بالحكمة والوقار فقال: يا بنات لقد كان هذا وقت العيد ولم يكن مسموحاً لأحد أن يغادر مكانه. كانت فترة استراحة، ماذا ألا تهدأن أبداً؟ يجب أن تكون هناك فترة ركود وإسترخاء لجميع. ونظرت هيرا في وجه دورا ثم اغرقتا في الضحك بطريقة صاخبة مما جعل كاسو يشعر بالغيظ لأن محاولته للتذاكي قد باءت بالفشل على ما يبدو.
لكن ، لماذا يا ترى حدث هذا ” الركود ” الذي يتحدثون عنه، وما قصة ” العيد” اخترعها كاسو. لقد كانت هذه فترة تجمد للماء بسبب تدني درجة الحرارة في شتاء تلك البلاد. وفي هذه الحالة لا يمكن للجزيئات التحرك بحرية حيث يصبح الماء جليداً، أي يتحول من حالة السيولة إلى الصلابة فيصبح مثل قطعة الحجر لا تتحرك جزيئاته إلا اهتزازاً في مكانها. وقد كانت هيرا ودورا تحاولان مقاومة هذه الحالة بأن تدفعا نفسيهما باتجاه بعضهما أو الاتجاه المعاكس لكن كاسو كان يمسك بهما ويحثهما على الهدوء والسكينة. كان على ما يبدو يحاول النوم في هذه الأجواء المتجمدة بينما هيرا ودورا تسترقان ضحكة مكتومة وهما تنظران لبعضهما سخرية من جسمه وكسله وحبه الشديد للسكون ومقاومته لمحاولتهما المستمرة للحركة والنط والقفز والتشقلب.
نهاية الحلقة الأولى