قصة ميمو – الحلقة الثانية
في العادة يتكون عالم ميمو من مثيلات له في كل مكان تماثله في كل شيء فأينما نظرت رأيت امتداداً واسعاً متشابكاً من الجزيئات السابحة في كل اتجاه دون توقف. ليس هناك الأعلى ولا الأسفل ولا الشرق ولا الغرب، فكل الإتجاهات بالنسبة لهم متماثلة كما لو أن فراشة حاولت أن تطير في الضباب فلن تعرف اتجاهاً من الآخر .
لكن ثمة شيء آخر لديهم ايضاً يختلف عن حالة الفراشة فهي ترى توهجاً وبياضاً يأتي من كل اتجاه في حين لا ترى الجزيئات هذا. فالضوء يمر من بينها على شكل كريات صغيرة متتابعة تسير بسرعة هائلة في هذا الاتجاه أو ذاك. وربما اصطدمت بها أو مرت من بينها كما تمر الجرذان من بين أقدام الفيل أما فيما عدا ذلك فالضوء الذي نعرفه ضياء يغرق المكان ويرينا كل التفاصيل فهو غير موجود في عالم الجزيئات أو الذرات هذا. وكل شيء هناك عبارة عن قطع كروية أو غيرها لكن ليس هناك أرض مثلاً أو طاولة أو شباك وليس هناك شيء ثابت في مكانه يرجعون اليه فيجدونه حيث كان فالكل يتحرك بحرية وعشوائية.
نظرت هيرا إلى كل من كاسو ودورا وقالت بهدوء : ألا تشعران معي أنه قد دخل بيننا بعض الغرباء. قالت ذلك وهي تشير إلى بعض الجزيئات الغريبة التي تبدو هنا وهناك. كانت هذه تسبح بحرية بين جزيئات الماء وقد كانت قليلة ومتناثرة ولا تشكل تجمعاً. قال كاسو: ألا تلاحظان أن هذه الجزيئات ليست جميعاً متشابهة. لاحظا ذلك الجزيء هناك، الذي يتكون من ذرتين فقط، ولاحظا كيف تمسك الذرة الكبرى بالصغرى وتسيران معاً . قالت دورا : لكن الذرة الكبيرة أكبر منك يا كاسو والصغيرة أكبر مني ومن هيرا .
ما هي إلا لحظات حتى افلتت هاتان الذرتان بعضهما وسبحت كل منهما بحرية في هذا الخضم. وتدريجياً اقتربت الصغرى من الجزيء ميمو وهنا نادتها هيرا: أيتها الذرة .. أيتها الذرة. فالتفتت إليها دون أن تغير مسارها فسألتها هيرا: من أنت ومن أين جئت؟؟ ردت الذرة : إسمي صدى وأنا ذرة صوديوم قالت هيرا ومن أين جئت؟! وبدأ مسار صدى ينحني حتى وقفت خلف كاسو. قالت لقد كنا نجلس في بناء شبكي من الجزيئات حين داهمتنا هذه الجيوش الكثيفة من جزيئاتكم فتفكك بناؤنا وأصبحنا نسبح كما رأيتم.
طبعاً لم يستغرب أحد من الثلاثة التفاف صدى ووقوفها خلف كاسو رغم أن محدثتيه كانتا هيرا ودورا وليس كاسو الذي بقي صامتاً متظاهراً بأنه غير معني كثيراً بهذا الأمر .وعادت دورا تسأل صدى ، ولماذا أفلتّ الذرة الأخرى التي كنت معها. أجابت صدى : هذا صديقي كاري وهو ذرة كلور ونحن نشكل معاً في العادة بناءً شبكياً يرتبط فيه كل جزيء بالآخرين لتكوين بناء متين. أما عندما جئتم إلينا فقد وجدنا أنه من السهل الإفلات من ترابطنا الوثيق والتنقل فيما بين جزيئاتكم حيث أن سهولة الحركة والإنسياب شيء جميل لكل جزيء في الطبيعة. وحيث أن هناك قطبيات مختلفة تناسب كلاً منا فقد رأيت وكاري أن نتفرق دون خوف، على أن نعود ونتماسك إذا زالت هذه القطبيات ولم يعد بإمكاننا التنقل بهذه الكيفية السهلة والحرة .
نظرت هيرا إلى كل من دورا وكاسو الذي كان قد بدأ يهتم بما قالته صدى، وإن كان لا زال يلوذ بالصمت. كان إلتفاف صدى ووقوفها خلف كاسو بسبب إختلاف قطبية كل منهما. والقطبية هي الشحنة الغالبة على الذرة والتي تعطيها الصفات التفاعلية وبالتالي تحدد نوعية الذرات التي يمكنها الإرتباط بها وفي حالتنا هذه يحمل كاسو قطبية سالبة في حين تحمل كل من هيرا ودورا قطبية موجبة. وكذلك تحمل صدى قطبية موجبة بينما يحمل كاري قطبية سالبة. لذلك نرى أن صدى تتنافر مع كل من هيرا ودورا بينما تنجذب إلى كاسو ويمكنها الوقوف على مقربة منه بعيداً عن كل من هيرا ودورا .
يتكون من ارتباط صدى وكاري جزيء كوريد الصوديوم المعروف بأنه ملح الطعام . ويكوّن كلوريد الصوديوم بناءً شبكياً يسمى بلورة حيث يمكنه أن يكون صخوراً تطحن بشكل ناعم لتكون الملح الذي يستخدم على المائدة. وعند سقوط بعض حبيبات الملح داخل الماء فإنها تذوب فيه وهذا الذوبان يعني تفكك هذا البناء البلوري للملح إلى جزيئات ثم تفكك هذه الجزيئات إلى ذرات منفردة مشحونة تسمى أيونات. وعليه فإن صدى وهي تسبح منفردة هي أيون وكذلك كاري .بينما لا يمكننا أن نسمي أياً من هيرا ودورا أو كاسو أيوناً لأنها تتحد فيما بينها لتكون جزيئاً يكون في مجموعه متعادل الشحنة .
في تلك الأثناء اصطدم جزيء ماء بقوة مع ميمو من طرف دورا مما جعل ميمو يدور حول نفسه منطلقاً بعيداً عن صدى وسابحاً في منطقة تحوي عدداً أكبر من الجزيئات الغريبة الأخرى ..
نهاية الحلقة الثانية