شغفنا بالعلم.. شغفنا بالحياة
مع مرور هذه الأيام بما تحمله من أحداث مؤلمة ومؤسفة لوطننا العربي، تتراجع في روع المرء كل تلك الأحلام الجميلة عن التقدم العلمي والنهضة العلمية التي يحاول المر وضع بذورها وانتاش نباتها في تربة شباب وبنات الوطن. ويتراءى له أن الجميع قد اصبح في شرود وذهول عن هذا الترف أو هذا الحمل الثقيل الذي يسمونه العلم. فبعضهم قد هرب إلى الأمام فأصبح يرى مستقبلا في عمل مربح يدر عليه دخلا كبيرا ويؤمن عيشا رغيدا مترفا له ولأسرته، دون أدنى تفكير بطبيعة هذا العمل وسواء كان نافعا أم ضارا بالجيل، نافعا أم ضارا بالوطن، حتى أنه قد لا يهتم إن كان حلالا أو حراما.. وإن كان فيه استقامة أو احتيال.. لسان حاله: هذا الزمن بحاجة إلى هذا السلوك !!!
والبعض الآخر قد انكفأ الى الخلف، فهو يستمرئ الفشل، يعشق الكسل، ويجعله خبزه اليومي، ويمعن في إغراق نفسه بالتفاهات والمسليات وتكنولوجيا العصر!!.. وأقصى متعة له تتمثل في جهاز موبايل عليه كل التطبيقات التي يستطيع الحصول عليها، وزاوية أو ركن في أي مكان مهمل، وغرق في عالم افتراضي يحرق فيه وقته وعمره وأي طموح كان ذات يوم يطوف بخياله.
لست من النوع الذي يحب التشاؤم أو ينادي به، ولكن المؤسف أن شعورا داخليا بالعجز واليأس من كل محاولات التغيير التي بذلت منذ ثورة تونس وحتى اليوم، هذا الشعور قد بدأ يظهر جهارا نهارا وصرت ترى صوته المدوي في تصرفات وسلوكات الشباب والبنات في كل محفل ومناسبة.
يا أعزائي، ويا أحبائي؛ ما هكذا تبنى الأوطان، وما هكذا نبني مستقبلنا ومستقبل أبنائنا وإخوتنا. إن الأمة تمر اليوم في مخاض صعب لكن ولادة الفجر القادم تتطلب الإعداد لها بصنع جيل من العلماء والمتخصصين في كل مجال. لا ضير من أن تتعارك القوى السياسية وحتى تتحارب، لكن الكثيرين من المتفرجين والمتحسرين من أبناء الأمة، من الذين لا يفعلون شيئا، يمكنهم ترك هذه الساحة، يمكنهم مغادرة القطار وتركه يدخل النفق بمن فيه من متصارعين، للانصراف إلى إعداد أنفسهم وأبنائهم وإخوتهم كعلماء وكمعلمين لمن سيصبحون علماء، وليكونوا جاهزين لملاقاة القطار عند الباب الآخر للنفق، حين تنتهي الأزمة، وحين تصبح البلاد بحاجة لمن يبني ويعلم ويصنع بعد انتهاء الصراع..
إن شغفنا بأن نكون جاهزين بمعارف العلم والتكنولوجيا عند استقرار الأمة وانتهاء النزاع فيها لا يقل أهمية عن شغفنا بالحياة ذاتها، إذ أن انتظار انتهاء الصراعات لنبدأ في تعلم الأبجدية هو أشبه بمن ينتظر بلوغه الستين ليتزوج وينجب طفلا، والله أعلم عندها إن كان سيرزق به أم لا. وإلا فتعسا للأمة إن عقمت ممن يحسبون عواقب الأمور الذين يبدأون الآن التحضير حتى لعام 2030.