وأخواتها (π) باي
هكذا شاء الله للخلق أن يكون وهكذا وجدت هذه الثوابت وكأنها صواميل للكون ثبتت بها أجزاء من الخلق ليتسنى للأجزاء الأخرى أن تمضي سابحة في حركاتها ودوراتها الازلية، فتصول وتجول إلى ما شاء الله دون أن يختل البناء أو ينهار النظام، فسبحان الله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً.
اعتبر هذا اليوم الرابع عشر من شهر آذار يوماً عالمياً للثابت π الذي يكتب اختصارا 3.14 والذي تعلمناه مبكراً في المدارس باسم النسبة التقريبية أو ط أو (22 على 7). وقد تميز هذا العام والعام الماضي بكون رقميهما يطابقان المنزلتين التاليتين من π، حيث أن قيمتها التقريبية هي
3.14159 = π
وهذا الثابت π هو أحد الثوابت الكونية التي خلقها الله تعالى واكتشفناها ولا نستطيع أو نعلم له تغييراً فهو النسبة ما بين طول محيط أي دائرة وقطرها مهما كانت طبيعة هذه الدائرة وأينما كانت فإن π تبقى قيمته ثابتة على هذا الرقم الذي نأخذ منه اختصاراً الأرقام الثلاثة الأولى أي 3.14، علما بأن عد الخانات العشرية لهذا الثابت والتي تم حسابها حتى الان قد تجاوز المليار خانة.
يعتبر π واحدا من الثوابت الكونية التي خلقت وقدرت من قبل الخالق سبحانه وتعالى والتي لا نملك إلا أن نتعامل معها كما هي. ويلاحظ أن π تدخل في العديد جداً من القوانين والمعادلات التي لا علاقة مباشرة لها بالدائرة. فهي كثابت كوني توجد في الكهرباء والضوء والمغناطيسية والحرارة والميكانيكا والكم والموائع وتوجد في الكيمياء والهندسة والفضاء وغير ذلك مما يمكنك تخيله في العلوم.
ومن هذه الثوابت، أخوات π التي تم اكتشافها بالقياس المباشر أو بالحساب النظري الذي عززته القياسات سرعة الضوء في الفراغ c والتي اعتبرت أيضاً من الثوابت الكونية التي لا تتغير بتغير المكان أو الزمان والتي صيغت نظرية النسبية الخاصة على فرضيتين إحداهما ثبات سرعة الضوء في الفراغ في جميع الأطر (جمع إطار) القصورية وينبني على هذا الثابت الكثير من الاستقرار والتوازن في القوانين والتفسيرات العملية للظواهر المختلفة.
c = 3 x 108 m/s
وسرعة الضوء في الفراغ هي سرعة حدية بمعنى انه لا يمكن الوصول اليها لأي جسم مادي فضلا عن تجاوزها. وتعطي نظرية النسبية الخاصة وصفا لما يطرأ من تغيرات تصاحب الاقتراب من هذه السرعة لأي جسيم، حيث تتغير كتلته و”شعوره” بكل من المكان والزمان.
وحيث أن الضوء موجة كهرمغناطيسية فسرعته ترتبط بثابتين مهمين للوسط الذي يمر به (حتى الفراغ) وهما السماحية الكهربائية للفراغ
ɛo= 8.841878 x 10-12 C2/Nm2
والنفاذية المغناطيسية للفراغ أيضاً
µo = 4π x 10-7 T m/ A
ونلاحظ وجود π رغم أن الدائرة بمعناها الهندسي غير موجودة صراحة هنا.
ومن الثوابت المهمة جداً أيضاً ثابت بلانك الذي لم يكن معروفاً إلا منذ ما يزيد عن مئة سنة بقليل، والعجيب أنك تراه يبرز أمامك في الكثير من الحسابات التي تظن ابتداء أن لا علاقة لها بالتكميم أو ميكانيكا الكم.
وحيث أن وحدة ثابت بلانك هي جول.ثانية أو كغم م2 / ث
h = 6.62607 x 10-34 kg m2/s
وهذه الأخيرة مشتقة من علاقة التناسب العكسية لطول موجة دي بروي لأي جسيم بزخم هذا الجسيم حيث أن ثابت بلانك h هو ثابت هذا التناسب وكان ثابت بلانك هو مفتاح المرور ما بين الصيغة الموجية والصيغة الخطية لحركة أي جسيم مادي. فثابت بلانك الذي يمثل وحدة “كم الفعل” والذي تعطينا قيمته المتناهية في الصغر، أقل كم من “الفعل” يمكن أن يوجد في الطبيعة. والفعل هنا هو Action وليس الشغل Work.
وفي هذه الحالة ولدى الدخول إلى عالم الزخم الزاوي نجد أن “الفعل” يمكن اعتباره وحدة الزخم الزاوي لأن الوحدة كغم م2 /ث هي تماماً وحدة زخم زاوي، وكأن الأصل في كل شيء هو الدوران وأن الحركة بخط مستقيم هي حالة خاصة.
وبالقفز إلى الثابت التالي نجد الصفر المطلق أمامنا، فهل سأل أحدكم نفسه لماذا بالذات هذا الرقم 273.15 درجة مئوية تحت الصفر ولماذا هي أرضية صلبة لا يمكن النفاذ تحتها أي لا يمكن بحال لأي جسم أو مادة أن تكون ” أبرد” من هذه الدرجة والتي عندها تتوقف تماماً كل أنواع الحركة حتى حركة الجزيئات والذرات، يعني جمود أو سكون أو توقف تام لكل شيء. هذه الدرجة تحسب وتقاس ويتم التوصل إليها من كل التجارب المتعلقة بالحرارة لتكون النتيجة هي نفسها والرقم نفسه لا أكثر ولا أقل.
ويرتبط لدينا هنا ثابت آخر ونحن نمسك بنفس السلسلة هو ثابت بولتزمان حيث أن الطاقة الداخلية لأي نظام تتناسب مع درجة حرارته بثابت بولتزمان وعليه يمكنك ، معرفة الطاقة الداخلية للنظام من درجة حرارته المطلقة بضربها بثابت بولتزمان. وهو:
kB =1.3806 x 10-23 kg m2/s2K
وثابت بولتزمان يربط من جهة أخرى بين ثابتين آخرين هما عدد أفوجادرو N وثابت الغاز المثالي R حيث kB = R/N
فأما الثابت الأول N فهو عدد مكونات مول من أي شيء. كيف ذلك، وما هو المول قبلاً ؟!!
إذا أخذت أي عنصر “ووزنت” منه كتلة تساوي “وزنه الذري” بالغرامات فإن هذه الكمية تسمى مول من هذا العنصر. (طبعاً هنا كلمتا وزن وكتلة متداخلتان خطأً ولكن للتبسيط). فكتلة أي مادة بالغرامات إذا ساوت رقمياً الوزن الذري (أو الجزيئي) لتلك المادة نقول أن هذه الكتلة تمثل مولاً من ذرات (أو جزيئات) هذه المادة.
الآن عدد الذرات (أو الجزيئات) في هذا المول يساوي عداً ونقداً المقدار 1023 6.0221408، وهذا العدد مهم جداً في كل الحسابات الكيميائية وغيرها المتعلقة بالذرات والجزيئات.
وأما الثابت الثاني فهو ثابت الغاز المثالي R والذي نحصل عليه ببساطة من قياس العلاقة بين الضغط والحجم ودرجة الحرارة (بالكلفن) للغاز المثالي حيث:
R = 8.3144598 J / mol K
وثابت الغاز المثالي يدخل في الكثير من القوانين والحسابات خاصة في الديناميكا الحرارية وحسابات الطاقة والتحول والعمليات الحرارية بلا استثناء.
وبالتحول إلى الكهرباء والمغناطيسية يبرز الثابت الأزلي كثير التداول وهو شحنة الإلكترون e فهذه الشحنة ومقدارها
e = 1.6021766 x 10-19 Coulomb
ولا يقتصر وجودها وحضورها على الإلكترون ولكنها تدخل في كثير من القوانين والمعادلات والحسابات سواء في الكهرباء أو الضوء أو الحرارة وهذه الشحنة التي تنسب للإلكترون تقاس بها أيضاً شحنة البروتون وأية جسيمات أخرى مشحونة. وتعتبر الحد الأدنى للشحنة فيما عدا الكواركات التي تحمل وحدات من الشحنة تعادل ثلث وثلثي شحنة الإلكترون.
وهنا أيضاً لا يمكن لأحد أن يجيب على السؤال لماذا هذا الرقم بالذات ولماذا ليس أكثر أو أقل… كما كان السؤال البريء الذي طرحه الإنسان منذ بدء الخليقة، لماذا عشرة أصابع في اليد وليس اثنا عشر ولماذا عينان وليست واحدة…
هذه بعض أخوات باي من الثوابت الفيزيائية (وأفضل تسميتها الطبيعية نسبةً للطبيعة وحرصاً على رضى الفروع العلمية الأخرى) لكن هناك الكثير من الثوابت التفصيلية الأخرى لمن أراد الاستزادة منها مثلاً: ثابت الجاذبية G وثابت ريدبرغ R وكتلة الإلكترون السكونية mo وثابت هابل Ho .
هكذا شاء الله للخلق أن يكون وهكذا وجدت هذه الثوابت وكأنها صواميل للكون ثبتت بها أجزاء من الخلق ليتسنى للأجزاء الأخرى أن تدور في دورتها الازلية فتصول وتجول كما تشاء دون أن يختل البناء أو ينهار النظام، فسبحان الله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً.
د. محمد عوض الله