الرصاص المطاطي

bullet-1بدأت قصة “الرصاص المطاطي” قبل ما يزيد على الثلاثين عاما في شوارع بلفاست الباردة والمغمورة بمياه الأمطار في ايرلنده الشمالية بعيدا عن حرارة الصيف المغبّر في القدس. وقد تم تطوير هذا النوع من الرصاص على عجل ليستخدمه الجيش البريطاني للسيطرة على المتظاهرين في إيرلنده الشمالية. وكانت “الرصاصة المطاطية” الأصلية عبارة عن أسطوانة مطاطية صلبة وغير حادة تزن 150 غراماً ويبلغ طولها 5.75 بوصة (14.6سم) وبقطر يبلغ 1.5 بوصة (3.8سم). ووجد بعد إجراء التجارب الأولية على الأغنام، أن استخدام هذا النوع من الرصاص ضد الايرلنديين يعتبر عملاً بربريا.

وبالرغم من ذلك فقد تبين أن هذا النوع الجديد من الذخيرة لم يكن بتلك البربرية أو الدقة، كما كان مؤملاً. ولذا جرى استبدال الرصاصة المطاطية نموذج 1 على وجه السرعة برصاصة بلاستيكية تنطلق بسرعة تصل إلى 200 كلم/ الساعة. وبذا تحولت “الرصاصة المطاطية” غير الضارة إلى المرحلة الأولى من تطورها القاتل.

وقد أثبتت الرصاصة البلاستيكية من النموذج 2، أنها مميتة بالفعل أكثر من “الرصاصة المطاطية” نموذج 1 والتي حلت مكانها. وفي نهاية تموز / يوليو 1981م كانت رصاصة واحدة من بين 4000 من الطلقات البلاستيكية تؤدي إلى الوفاة مقارنة مع واحدة من كل 18000 من الطلقات المطاطية.
وبعد ذلك تم تطوير النموذج 3 من الرصاص المطاطي في الثمانينات. وكانت هذه عبارة عن رصاص فولاذي مغلف بطبقة رقيقة من المطاط. واستمرت قوات الأمن باستخدام هذا النوع من الرصاص اعتقاداً منها أن “الرصاص المطاطي” أقل ضرراً من الذخيرة الحية، ولذا فقد اعتبرته السلاح المناسب لاستخدامه في تفريق المتظاهرين.

كيف يمكن تفسير التباين بين أعداد الاصابات في إيرلنده الشمالية وفي المناطق المحتلة؟ يبدو الآن أن هناك عاملان: الأول هو سوء استخدام هذا النوع من السلاح في مكافحة الشغب، والثاني يتعلق بالتغييرات التي استحدثت في تصميم الرصاصة. وتبرز قصة الطالب الفلسطيني، ناصر عريقات، التي تحدثت عنها صحيفة القدس لأول مرة قبل عامين تقريبا كلا من هذين العاملين.

قال واصف عريقات الذي يبلغ الثانية والخمسين من عمره، وهو عم ناصر، لصحيفة القدس “إنه في الساعة الواحدة وخمسة واربعين دقيقة، وبعد انتهاء الاحتجاجات (التي قام بها الطلاب في جامعة القدس في عام 1988)، جاء إبن أخي إلى المنزل في البلدة القديمة. وعندما كان يهم بدخول المنزل وهو يحمل حقيبة كتبه، وصلت دورية شرطة إسرائيلية إلى المكان. ترجل قائد الدورية من سيارة الشرطة وأطلق الرصاص مباشرة على رأس ناصر. وقد تناثر دمه (من الدماغ) في ارجاء المكان. وعندما حاول والده وأخواه أخذه إلى المستشفى، منعهم الجنود الإسرائيليون وقاموا بضرب الوالد مما أدّى إلى إلحاق اصابة برأسه من جراء هجوم الجنود الإسرائيليين”.‍

ووفقا للتعليمات التي تصدرها قوات الاحتلال الإسرائيلي والخاصة بإطلاق النار، فإن “الرصاص المطاطي” يجب أن يطلق فقط على ساقي أي شخص يثبت أنه اشترك في أعمال الشغب أو رمى الحجارة. وتحظر التعليمات صراحة إطلاق “الرصاص المطاطي” من مسافة تقل عن 40 مترا أو إطلاقه على الأطفال. ومن المستحيل إجراء مواءمة بين حالة ناصر وأعداد الإصابات التي حصلت مؤخراً وبين هذه التعليمات.

والأمر الثاني الذي توضحه قضية ناصر عريقات هو أن سوء استخدام الرصاص المطاطي والتحسينات المتتالية التي أجريت عليه هي المسؤولة عن تزايد عدد الإصابات. فقد سمحت القوات الإسرائيلية بعد تأخير طويل لعائلة ناصر بأخذه إلى مستشفى المقاصد في القدس حيث أعلن انه ميت سريريا. وبعد ذلك بيومين، اقتحمت قوة كبيرة من رجال المخابرات الإسرائيلية المستشفى واستولت على الرصاصات التي اطلقتها القوات الإسرائيلية على ناصر. وقال سلميان طرقام من مستشفى المقاصدأن “وحدات المخابرات الإسرائيلية قدمت إلى المستشفى في ساعات الصباح الأولى أمس وطلبت الرصاصات التي استخرجت من رأس الطالب”.
واستمر طرقام في التعليق قائلاً: “لدينا المئات من الرصاص المعدني المغلف بالمطاط والرصاص الحي ولم يأت رجال المخابرات الإسرائيلية لجمعه من قبل أبداً”.

ويمكن أن يكون الاهتمام الغير عادي بهذه الرصاصات قد جاء بسبب أنه نوع جديد يتكون من “اسطوانة تحتوي على ما يبدو أنها مادة متفجرة بداخلها”. وأكدت مصادر طبية في مستشفى بيت جالا أيضاً أن النوع الجديد من الرصاص المعدني المغّلف بالمطاط استخدم من قبل القوات الإسرائيلية خلال الأيام الأولى من تظاهرات انتفاضة الأقصى. وقد وصفت هذه المصادر الرصاصة الجديدة بأنها “اسطوانية الشكل ذات قاعدة مستطيلة من المطاط ورأس معدني على شكل رمح. ويحتاج ضحايا هذا النوع الجديد القاتل من “الرصاص المطاطي” سيئ الحظ إلى عمليات جراحية لاستخراج هذه القذائف من أجسامهم.

وفي خلال السنتين اللتين مضتا بعد مقتل ناصر، أصيب عدد كبير من الضحايا الأبرياء، ليس برصاص مطاطي في سيقانهم، بل برصاص فولاذي مغلف بمطاط ومصنوع بتقنية عالية نفذ إلى رؤوسهم.

المصدر:www.albawaba.com



unriyo