الشفق القطبي

بقلم : هاني الضليع

من الظواهر الطبيعية التي تظهر في السماء ظاهرة الشفق القطبي الذي يعتبر من أجمل الظواهر الفلكية والتي يعرفها هواة الفلك ويستمتعون بمشاهدتها وتصويرها. وتحمل هذه الظاهرة اسما آخر هو الأضواء الشمالية أو الفجر القطبي.
ما هو الشفق القطبي
هي عروض خلابة لمناظر ملونة على الشاشة السماوية الكبيرة في اتجاهي الشمال والجنوب القطبين، ويأخذ الشفق اسمه لأنه يظهر بعيد غروب الشمس أو قبيل طلوعها عند منطقتي القطبين ويكون في بعض أحيانه على شكل أقواس أو تجعدات جميلة وأحيانا أخرى على شكل إشعاعات براقة تستمر للحظات أو ساعات أو ربما حتى الفجر، ومن النادر جدا أن يتشابه شفقان في زمانين أو مكانين إنما قد يأخذان نمطا متقاربا من الأشكال. فعادة يظهر العرض الشفقي بعيد غروب الشمس حيث يحتل الأفق الشمالي قوس شفاف يستمر حتى نصف ساعة تم يبدأ بالتحرك عاليا في السماء آخذا باللمعان أكثر كلما ارتفع، ويبدأ خلفه قوس آخر جديد بالتكون منفصلا عن سابقه، وهكذا..، وبينما تأخذ هذه الأقواس بالارتفاع تتولد بينها انثناءات وحلقات تصبح لامعة فيما بعد، ثم بعد وقت طويل أو قصير يبدأ الشفق بالتلاشي.

 

عروض جميلة خلابة

 

للشفق القطبي شكلان أساسيان هما الشكل الشريطي والشكل الغيمي، وعادة ما يبدأ العرض الشفقي في السماء بشكله الشريطي عدة مئات من الكيلومترات ويبلغ عرضه شرقا وغربا عدة آلاف من الكيلومتراتحيث يظهر ذلك واضحا عند مقارنته مع خلفية النجوم التي تبدو صغيرة مقارنة بمساحته العظيمة، أما سماكته فتصل إلى عدة مئات من الأمتار فقط. وتدعى الانثناءات التي تتكون نتيجة ارتفاع الشفق في السماء بالأقواس الشعاعية، وبازدياد النشاط الشفقي تطبق الانثناءات الكبيرة على الصغيرة منها مكونه ما يسمى بالزمر الشعاعية، والتي يصل عرضها إلى عشرات الكيلومترات، وفي ازدياد آخر للنشاط ينبعث من الرمز الشعاعية لون وردي ويصبح عرضها عدة آلاف من الكيلومترات وحالما يتوقف النشاط الشفقي يعاود الشفق شكله الشريطي وتختفي كل الانثنائات التي كانت موجودة، أو يتحول الشفق إلى الشكل الغيمي غير المنظم، ويظهر الشفق القطبي بألوان مختلفة يغلب عليها الأخضر والأحمر والأزرق والأصفر، وأما بقية الألوان فهي مزيج من الألوان الأساسية.

كيف يحدث الشفق القطبي
ولمعرفة كيف يحدث الشفق القطبي، علينا أن نعرف ماذا يحدث على سطح الشمس وماذا يحدث حول الأرض وكيف تتفاعل نواتج الحدثين معا.

الشمس :

تتكون الشمس من ثلاث طبقات، الضوئية واللونية والإكليل. وخلال أوج النشاط الشمسي في دورته كل إحدى عشرة سنة، يكثر على سطح الشمس ما يعرف بالبقع الشمسية الموجودة في الطبقة الضوئية، هذه البقع هي علامة للنشاط الشمسي وهي اضطرابات في المجال المنغاطيسي للشمس وتظهر دائما في مجموعات تدوم ساعات أو أياما أو ربما شهرا كاملا. ويرافق البقع الشمسية ما يعرف بالنتوءات الشمسية والتي هي انفجارات تحدث على سطح الشمس وترتفع مسافة 500.000 كم عن سطح الشمس ويمكن رؤيتها خلال الكسوف الكلي للشمس، وتعتبر جزءا من الطبقة اللونية. إلا أن (الصياخد) اشد قوة وانفجارا من النتوءات وتظهر بلونها الأبيض قريبة من البقع الشمسية، وتمتلك الواحدة منها طاقة تعادل مليوني مليار طن من مادة تي أن تي، وإذا ما شوهدت خلال الكسوف الشمسي فإنها ترتفع فوق سطح الشمس ولكنها نادرا ما ترى إذ أنها لا تعيش لأكثر من دقائق. والصياخد مسؤولة عن إرسال الأشعة السينية وأشعة جاما والأشعة المرئية بالإضافة إلى شلالات من البروتونات والالكترونات ذات الطاقة العالية جدا والتي تتدفق في كل ثانية باتجاه المجموعة الشمسية. وفوق الطبقة اللونية التي تمتد حوالي عشرة آلاف كيلومتر يأتي الإكليل الشمسي الذي يمتد مسافة عشرة أضعاف قطر الشمس إلى الخارج، وهو عبارة عن الذرات الفردية المرشوقة إلى أعلى من سطح الشمس، وبينما تتحرك هذه الجسيمات باتجاه الخارج فان الإكليل يحتل حجما أكبر وأكبر ويصبح أقل كثافة، ونتيجة لذلك فإن إضاءته تخف إلى أن تتلاشى كليا. وهذا لا يعني أن الجسيمات المشحونة قد توقفت عن المسير، بل أنها تمتد حتى تغمر الكواكب الداخلية والمشتري وزحل وربما تصل بلوتو، وعندها تأخذ اسما جديدا هو الرياح الشمسية، وتتغذى الرياح الشمسية بشكل رئيسي من الصياخد بحيث تتكون من البروتونات والالكترونات ذات الطاقات العالية، وتصل درجة حرارة الإكليل إلى حوالي مليون درجة مئوية!.

المجال المغناطيسي الأرضي وأحزمة فان ألن الإشعاعية

تمثل الأرض قطعة مغناطيسية ذات قطب مغناطيسي شمالي (يقع قرب القطب الجنوبي الجغرافي) وآخر جنوبي (يقع قرب الشمالي الجغرافي) وتنتشر بينهما خطوط المجال المغناطيسي المتجهة من القطبي الجنوبي(الجغرافي) باتجاه الشمالي(الجغرافي). ويميل المحور المنغاطيسي عن المحور الجغرافي للأرض بمقدار 11.6 درجة ، فيمر بذلك أربعمائة كيلو متر بعيدا عن مركز الأرض ، وينتهي بنقطتين على سطحها تدعيان القطبين المغناطيسيين، تقع الشمالية منهما شمال جرينلاند وبالتحديد عند خطي طول 69 درجة غربا وعرض 78.5 درجة شمال، ولكن نتيجة للرياح الشمسية القادمة باتجاه الأرض فإن المجال المغناطيسي ينحصر داخل تجويف عظيم يدعى الغلاف المغناطيسي ويحيط بالأرض على شكل مذنب. فتنضغط خطوط المجال المنغاطيسي بشكل حاد باتجاه الشمس بينما تمتد خارجة بالاتجاه المعاكس مشكلة ذيلا منغاطيسيا طويلا يصل حوالي ستة ملايين كيلومتر. وعند وصول الجسيمات المشحونة إلى الأرض فإنها تقع في أسر المجال المغناطيسي فتبدأ بالتردد بحركة لولبية الشكل بين نقطتين قريبتين من القطبين المنغاطيسين عند خطي عرض 70-75 درجة شمالا وجنوبا وبسرعة كبيرة تتراوح بين (0.1 -3) كم/ثانية، بحيث تتدفق الإلكترونات شرقا والبروتونات غربا حول الأرض مشكلة أحزمة ذات مقطع هلالي تدعى أحزمة فان ألن الإشعاعية نسبة إلى الفيزيائي جيمس فان ألن الذي كان أول من تنبأ بحساباته بشكل هدة الأحزمة بعد النتائج التي جاءت بها مركبتا الفضاء (إكسبلورر1&3) سنة 1958. فهناك حزامان؛ الأول صغير نسبيا وقريب بحيث يبعد ثلاثة آلاف كيلومتر فقط عن سطح الأرض ويتكون بشكل أساسي من بروتونات ذات طاقات عالية، والثاني أبعد وأكبر، (على بعد حوالي 20.000 كم) وبشكل رئيسي يتكون من الكترونات وبروتونات ذات طاقات منخفضة.

تكون الشفق

 عند حدوث النشاط الشمسي فإن ظهور البقع الشمسية يعني وجود المئات من الصياخد الملتهبة التي تصل درجة حرارتها أكثر من عشرة آلاف درجة مئوية وبهذا فإنها تبعث بمختلف إشعاعاتها فتزيد من حدةالإكليل الشمسي الذي يرى خلال الكسوف الكلي للشمس كألسنة لهب مبتعدة عنها، والإكليل يعني الريح الشمسية القوية التي تغمر المجموعة الشمسية، فعند وصولها الأرض تمتلئ أحزمة فان ألن بالجسيمات المشحونة من بروتونات وإلكترونات تفيض الأحزمة بها، ونتيجة للسرعة التي تتحرك بها هذه الجسيمات المشحونة فإنها عندما تصل نقطتي القطبين لا تقف لترتد بالاتجاه المعاكس، وإنما تستمر في اختراق تلك المنطقة التي هي تقاطع الغلاف الأيوني للأرض بالجسيمات المنفلتة من الأحزمة لتعطينا شكلا بيضويا حول نقطة القطب المنغاطيسي يدعى النطاق الشفقي خاصة إذا نظرنا إليه من أعلى الفضاء. والإلكترونات هي الجسيمات المعنية هنا حيث تمتلك طاقات عالية جدا نتيجة تسريعها على طول الذيل المغناطيسي باتجاه الأرض وعند اختراق الغلاف الأيوني الأرضي الذي يتكون من مختلف العناصر وفي مقدمتها النتروجين والهيدروجين فإنها تتصادم مع ذرات هذه العناصر مهيجة الكتروناتها إلى مستويات طاقة أعلى، وبرجوعها تنبعث الإشعاعات الضوئية بألوانها المختلفة. فالمسؤول عن اللونين الأزرق والبنفسجي مثلا هو النتروجين، وكلها ذرات مهيجة. ويتخذ النطاق الشفقي الشكل البيضوي كما ذكرنا، وفي حال ازدياد النشاط الشمسي وحدوث عاصفة شمسيه فان هذا النطاق يتمدد باتجاه خط الاستواء حتى يصل خطوط عرض تصل 35 درجه شمالا أو جنوبا، وعندها يمكن لسكان تلك المناطق التمتع بمشاهدة العروض الشفقيه كما حدث عام1989 في ولاية فكتوريا في استراليا والتي تقع على خط عرض 35 جنوبا عندما حدثت عاصفة شمسية.



unriyo