الشغل وطاقة الحركة وطاقة الوضع
الشغل طاقة الحركة وطاقة الوضع
عندما يشتغل أحدهم ويقبض أجره نقول انه قد انجز العمل المطلوب منه ولذلك فقط استحق الأجر، ولكن هب أن أحدهم طلب منه نقل كمية من الطوب من مكان ثم بعد إتمام ذلك إعادتها إلى نفس المكان. وفي نهاية اليوم يعطى أجر ما قام به من عمل مضن، رغم أن نتيجة هذا العمل هي صفر. فقد قام بما طلب منه ولم يقصر في تنفيذ التعليمات. ونقول أنه قام بالشغل على الوجه الأكمل.
أما في الفيزياء فيعرف الشغل بالإنجاز الذي يتم نتيجة التأثير بقوة معينة على جسم مثلا، وما تحدثه هذه القوة من انتقال للجسم تحت تأثيرها. عندها فقط تستحق هذه القوة أن توصف بأنها أنجزت شغلا. أما إذا أثرت قوة على جدار مثلا، ولم تستطع أن تزحزحه قيد أنملة، فمع كل الاحترام لهذه القوة نقول أنها لم تنجز شيئا. لكن دفع جسم على سطح أملس بقوة تجعله يسير بتسارع معين مسافة معينة، هذا الفعل يدل على أن القوة قد أنجزت شغلا يحسب بحاصل ضرب القوة في المسافة التي تحركها الجسم. وهذا الشغل يحسب ويقاس بوحدة الجول وهي وحدة كل من الشغل والطاقة.
ولكن مهلا، هل قلت بتسارع؟..
نعم بتسارع..
ولكن ماذا لو تحرك الجسم بسرعة ثابتة؟ ألا يحسب هذا إنجازا أيضا؟؟
حسنا هنا علينا التوقف قليلا. فكون الجسم يتحرك بسرعة ثابتة يعني أن “محصلة القوى” المؤثرة عليه هي صفر. و”محصلة” هنا تعني أن هناك أكثر من قوة تؤثر على الجسم، وصفر تعني أنها تلغي تأثير بعضها، أو أنه لا توجد قوة تؤثر عليه من الأساس.
وكيف ذلك؟
طيب، لنبدأ بالحالة الثانية، أي بأن الجسم يتحرك بسرعة ثابتة، وأن لا قوة تؤثر عليه، هل ذلك ممكن؟ نعم ممكن.
فإذا كانت الأرضية ملساء تماما، فيمكن للقوة ابتداء أن تدفع الجسم من السكون مسافة قصيرة يتسارع خلالها ليصل إلى سرعة معينة. ثم تتركه القوة فيكمل طريقه بنفس السرعة إلى ما شاء الله. عندها لا يمكنك نسبة الفضل للقوة في إنجاز نقل الجسم من مكانه إلا في الفترة الأولى التي دفعت فيها الجسم ليتسارع، أما بعد توقف التسارع فالجسم يسير بمفرده بسرعة ثابتة بعد توقف القوة عن دفعه. هل انتهينا من هذا الجزء؟
نعم..
لا، ليس بعد، فقد تركنا الجسم سائرا بسرعة ثابتة، وسوف يستمر كذلك ما لم نوقفه، أو يرتطم بشيء فيحطمه أو يتسبب بمصيبة لا قدر الله. علينا إذن إيقافه مع وصوله للمكان المحدد. وكيف نوقفه إذن؟ بأن نستدعي تلك القوة التي دفعته ابتداء، في اتجاه حركته الحالية، لتقوم بدفعه بالاتجاه المعاكس حتى يتوقف. عندها يكون الشغل الذي تنجزه مساويا للشغل الذي بذلته لتبدأ الحركة، لكن هنا يكون سالبا لأن الجسم تحرك خلال الإبطاء بعكس اتجاه تأثير القوة، يعني كأن القوة استعادت ما أعطته من شغل حتى يتوقف تماما. لذلك يكون الشغل الكلي الذي بذل على الجسم المتحرك بسرعة ثابتة هو صفر.
حسنا، قلت أن هذا في حالة إذا كان الجسم يتحرك دون قوة ترافقه، فماذا عن الحالة الأخرى؟
الحالة الأخرى، إذا كان السطح الذي يتحرك عليه الجسم خشنا، بمعنى فيه احتكاك مع قاعدة الجسم، فهذا الاحتكاك هو قوة تؤثر بشكل معاكس لاتجاه الحركة، وعليه فالقوة التي “ندفع” بها الجسم للتحرك، تعاكسها قوة الاحتكاك، فيتحرك الجسم بسرعة ثابتة ويكون هناك إذن شغلان: شغل تبذله قوتنا على الجسم وهذا نعتبره شغل موجب يحرك الجسم للأمام، وشغل آخر تبذله قوة الاحتكاك وهو شغل سالب “يستنفذ” شغل قوتنا. ونتيجة لذلك يكون شغل الذي نعطيه للجسم ضائعا في معظمه ضد الاحتكاك.
ولكننا حركنا الجسم من موضعه إلى الموضع الجديد وهذا إنجاز!! اليس كذلك؟
حسنا نعم ولا..
كيف؟!
حسنا إذا كان الهدف هو تحريك الجسم من موضعه إلى موضع جديد فقد كان بإمكاننا أن نفعل ذلك بقوة أقل بكثير لو أننا قللنا أو حتى أزلنا قوة الاحتكاك، من خلال وضع عجلات مثلا أو إدخال سطح أملس تحت الجسم يعزله عن الأرضية. ولأمكننا توفير الكثير من الشغل الضائع سدى في هذه الحالة. أما إن كان الهدف إعطاء الجسم تسارعا لسبب ما (كما هو الحال عند دفع سيارة لتشغيلها في الأيام الباردة مثلا) فعندها لا يفيدنا تحريكها بسرعة ثابتة، لأننا بمجرد التوقف عن الدفع ستتوقف الجسم (السيارة) عن التحرك وعندها نعود للمربع الأول.
أن الشغل الذي تبذله على الجسم خلال فترة دفعه يفترض، إذا لم يستنفذ (بسبب الاحتكاك مثلا) أن يختزن في الجسم على شكل طاقة. تبقى فيه ما دام متحركا، أو تختزن فيه إذا رفع عن الأرض مثلا إلى موضع أعلى. في حالة الحركة تسمى الطاقة التي يحملها الجسم طاقة الحركة، وتعرف بحاصل ضرب نصف كتلة الجسم في مربع سرعته. وتبقى هذه الطاقة معه ما دام متحركا. وهو سيبقى متحركا مالم يصطدم بشيء يجبره على خسارة تلك الطاقة. مثال ذلك في السيارات مثلا أن المحرك يدفع السيارة بشكل متواصل، بما يزيد من سرعتها إلى أن تصل السرعة المطلوبة ثم لا يعود عليك أن تضغط على بدالة السرعة (البنزين) إلا بمقدار ما يوازن قوة الاحتكاك الداخلية للسيارة. ولذلك تستمر السيارة تسير بسرعة ثابتة بفعل ما تحمله من طاقة حركة، فإذا أردت إيقاف السيارة فإنك تدوس على بدالة الفرامل (البريك). وهذه تطبق بلباداتها على الإطارات فتستنفذ (باحتكاكها) الشديد معها طاقة الحركة التي تملكها السيارة، فتبدأ السيارة في الإبطاء حتى إذا استمر الدوس على بدالة الفرامل، تتسرب كل طاقة الحركة إلى النهاية، فتقف السيارة.
هكذا إذن نزود السيارة بطاقة الحركة، ثم هكذا نزعها منها عن طريق الفرامل. مثال آخر، إذا رميت حجرا فإنك أولا تعطيه بيدك طاقة حركة نتيجة تحريكه بتسارع وهو في يدك، ثم تفلته وقد أصبحت سرعه أعلى فينطلق حاملا طاقة الحركة التي زودته بها من الشغل الذي بذلته عليه يدك، ويطير الحجر محلقا حتى يصطدم بجدار أو شجرة مثلا، فتفرغ فيه كل طاقة الحجر الحركية فيتوقف. وبالتالي يسقط أرضا ويهمد، فلا حركه بعدها لأنه لم تعد لديه طاقة يتحرك بها.
مهلا، أقلت يسقط؟ ولماذا يسقط ؟!
نعم لأن جزءا من طاقة الحركة التي زودته بها ليطير رفعته إلى مستوى أعلى من يدك عندما رميته وهذا الارتفاع كان معناه أن يطير للأعلى، بعكس اتجاه الجاذبية، وهذا ينقص من طاقته الحركية ليحولها إلى طاقة وضع تختزن في الحجر كلما ارتفع إلى الأعلى، فإذا اصطدم بالجدار أو الشجرة وتوقف عن الحركة، فإن طاقة حركته تكون قد صفرت (يعني أصبحت صفرا). عندها عليه أن يعود للأرض لأن الجاذبية تريد إعادة ما اختزن في الحجر من طاقة وضع وهو يصعد إلى أعلى، فيضطر عندها للسقوط إلى أول سطح يجده تحته، وهو الأرض. ولو أنه وجد نفسه على سطح بيت لهبط على ذلك السطح وأخرج لسانه يسخر من الأرض التي لم تستطع إجباره على العودة اليها. لكنه لا يعلم أنه يوما ما سيأتي ابن الجيران إلى سطح بيته، ويرى هذا الحجر باقيا في سلام، فيستغرب وجوده، فيحمله ويلقى به إلى الأرض التي تستقبله عندئذ بشماتة، وتقول له أنه ما من شيء يمكنه أن يبقى بعيدا عنها للأبد.
طيب، ولكن كيف تخزن الجاذبية هذه الطاقة في الحجر؟!
حسنا تخيل طفلا يأخذ حجرا فيلقي به أو يقذفه عموديا إلى الأعلى، فماذا سيحصل؟ سيتباطأ الحجر ثم يتوقف عند ارتفاع معين ثم يعود هاويا على رأس من رماه 🙂 … نعم لا يستطيع الحجر مقاومة الجاذبية فيعيد كل ما اختزنه من طاقة وضع، وهو يصعد للأعلى، ليعيده على شكل طاقة حركة يضرب بها رأس الولد المسكين.
ونفس الشيء يحدث للشباب الذين يطلقون النار في الأعراس وفي المناسبات، فالرصاصة التي يطلقونها عموديا في السماء، تصعد إلى أعلى ارتفاع ممكن، ثم تهوي عائدة إلى نقطة أطلاقها وبنفس سرعة الإطلاق، أي تماما كأن الذي أطلقها قد وضع الرشاش معكوسا فوق رأسه وأطلق النار. فإذا كان يقف تحت الرصاصة مباشرة، فسوف تعود إليه وتصيبه.
لكن البعض وهم يعرفون خطورة ذلك عليهم، يطلقون النار بشكل مائل، وهنا تحدث كارثة أكبر، حيث عندما تعود الرصاصة للهبوط تعود إلى موقع آخر في الاتجاه الذي مال إليه الرامي النجيب. والله أعلم من يكون تحت مهبط الرصاصة من الأبرياء، وربما طفل في حضن أمه في الحارة المجاورة فتقتله الرصاصة بلا ذنب، وكم حدث هذا في أحيائنا وقتل من الأبرياء من احبائنا.
إن طاقة الحركة التي تنطلق بها الرصاصة من الرشاش تتحول كليا إلى طاقة وضع عندما تتوقف لحظيا في أعلى نقطة للرصاصة في السماء، ثم تبدأ رحلة العودة معيدة كل ما اختزن كطاقة وضع مرة أخرى إلى طاقة حركة تحملها عند عودتها إلى المستوى الذي أطلقت منه، أي مستوى الرشاش ومن يحمله. اللهم عافينا يا رب.
نلخص إذن
القوة التي تحرك جسما بتسارع معين بمسافة معينة تبذل عليه شغلا. هذا الشغل إما أن يبقى في الجسم كطاقة حركة تبقيه متحركا بسرعة ثابتة بعد انفصال القوة عنه، وإما أن يختزن كطاقة وضع، خاصة إذا كان الجسم يصعد للأعلى. حتى تتحول كل طاقة الحركة التي منحها الشغل للجسم إلى طاقة مختزنة، فيه بتأثير الجاذبية فعندما يصل إلى أعلى نقطة، إما أن يقفل راجعا إلى أسفل محولا طاقته مرة أخرى من وضع إلى حركة. وإما أن تتلقفه يد من شباك الطابق الثالث عشر فيبقى هناك إلى أن يأتي من يلقي به مرة أخرى من الشباك ليعود إلى الأرض، من حيث انطلق. يعود بأن يحول الطاقة المخزنة فيه إلى طاقة حركة، أرجو أن لا تتسبب في كسر رأس أي شخص يمر بالصدفة تحت تلك العمارة وخاصة تحت شباك الطابق الثالث عشر): .
د. محمد عوض الله