ظهور الليزر — الجزء الأول

من غرفة العمليات إلى السوق
” و عندما يظهر شيء جديد تماما ، فإن استخدامه بشكل مناسب يتطلب وقتا ، و يبدو أنّ الناس ينسون بأنّ الفترة ما بين أول رحلة طيران قام بها الأخوان رايت و بين الطيران التجاري كانت حوالي ثلاثين سنة ” .
د. ثيودور اتش مايمان

تكون الإبتكارات عادة نتيجة لجهود جماعية ضمن مؤسسة واحدة، أما تطوير الليزر ، فيوفر فرصة لدراسة جانب مختلف من جوانب العملية الإبتكارية. إن كلمة “التميز” هي المفتاح، لأن الليزر ليس كتلة منفردة بل هو عدّة أدوات تمت صناعتها في عدد من المختبرات الأكاديمية والصناعية، ولأنه اداة ذات قوّة فريدة ، فإن إيجاد استخدامات تجارية له يبقى تحديا قائما، بالرغم من أن بداية البحث فيه ظلت غامضة لوقت طويل. ويأتي اسم ليزر من الحروف الأولى لوظائفه، وهي تضخيم الضوء بالانبعاث القسري للإشعاع. ومرّة أخرى، كان العلم مدينا (لألبرت أينشتاين) لتطويره النظرية التي طبقها العلماء فيما بعد. و نظراً لإيحائه بأن الانبعاث الطبيعي يحدث عندما تنحلّ ذرة في حالة استثارة من تلقاء نفسها باعثة فوتوناً بطاقة معينة. وضع (أينشتاين) نظرية تقول أنّ بالإمكان إحداث هذه الحالة بضرب الذرة المستثارة بفوتون يحمل نفس القدر من الطاقة التي يحملها الفوتون الذي انبعث بشكل طبيعي، مما سيؤدي إلى انبعاث الفوتونين متساويي الطاقة معاً في نفس الاتجاه و بنفس الأطوار. وبالرغم من أن هذه النظرية كانت لامعة، فقد مرّت سنوات عديدة قبل أن يفكر العلماء بتطبيقاتها. وكانت العملية تحدث في أقل من 1/100 مليون من الثانية أحياناً ، دون أن تسمح للإنسان بالتحكم بها . و قد تمّ توضيح النظرية عام 1954 عندما قام ثلاثة أمريكيين بإجراء ماسموه ب ( ماسر ) ، أي تضخيم أمواج الميكروويف بالانبعاث المحثوث للإشعاع . فقد نجح ( تشارلز اتش تاونز ) ، و( جيمس بي جوردون ) و ( اتش جيه زايجر ) ، باستخدام مباديء ( أينشتاين ) ، في تضخيم أمواج الميكروويف : و هي الأمواج المغناطيسية الناتجة عن المقاطع الإنتقالية بين مستويات الطاقة للجزيئات ، بنفس الطريقة التي تنتج ذرات الضوء فيها . لقد كان ( تاونز ) أول من بدأ بدارسة التحليل الطيفي لأمواج الميكروويف الكهرومغناطيسية ، خلال باحثاً في مختبرات ( بل ) في نيوجرسي و بعد انتقاله إلى جامعة كولومبيا كأستاذ جامعي و مستشار لمختبرات ( بل ) . لقد كان مشروع ( ماسر ) رسالة دراسات عليا مقدمة من ( تاونز ) ( لجوردون ) من جامعة كولومبيا . و قد أثارت هذه الرسالة و الأمواج الضوئية في الكثير من الأمور ، فقد و فرت عملية ( ماسر ) معلومات مهمة عن الطرق التي تعالج بها الذرة لتنتج الضوء . بدأ العلماء في كل مكان من العالم بدراسة الإحتمالات ، مما أدّى إلى الكثير من الإرباكات التي رافقت البداية المعقدّة للّيزر . يعتبر ( تاونز ) مساهماً في أوّل الاكتشافات العظيمة ، ففي عام 1958 قام هو و الفيزيائي ( آثر إل شاولو ) الذي كان تلميذاً ( لتاونز ) في مرحلة ما بعد الدكتوراه في كولومبيا ، بنشر دراسة بيّنا فيها أفكارهما و أساليبهما لتضخيم أمواج الضوء بالانبعاث المحثوث . و قد كانت أوّل دراسة من نوعها . و رحّبت الدوائر العلمية بها ، وقد منحا براءة لاختراعهما ، و اشترك ( تاونز ) بجائزة نوبل للفيزياء مع اثنين من العلماء الروس ، تقدير لجهودهم التي قادت لتطوير الماسر و الليزر . و عندما بدأ العلماء في مختلف أنحاء العالم باتباع المبادىء الموضحة في هذه الدراسة ، بدأت الأحداث غير المعلنة تعقد البدايات الأولى لتطوير الليزر . ففي تشرين الثاني ، و قبل شهور من نشر دارسة ( تاونز ) و ( شاولو ) ، كان أحد طلاب الدراسات العليا في جامعة كولومبيا قد توصل بمفرده لنتائج مشابهة ، و هذا الطالب هو جوردون جولد ، طالب ذكي يبلغ من العمر سبعة و ثلاثين عاماً ، و يحمل شهادة البكالوريوس في العلوم من كلية يونيون و الماجستيرفي الفيزياء من جامعة ييل . و قد كان واثقاً من أنه توصل لشيء في غاية الأهمية ، و عرف بأنّ عليه أن يحمي اكتشافه . فأخذ دفتر ملاحظاته الذي كان قد صاغ فيه بعناية خطته لإنتاج شعاع ضوء متماسك و ذهب إلى محل لبيع الحلوى خارج حرم الجامعة ليوثق ما كتب لدى كاتب عدل ، آملا بأن يكون هذا كافياً لحفظ حقه في هذه العملية ، التي أطلق عليها اسم ” تضخيم الضوء بالانبعاث المحثوث للإشعاع ” . و قد اعترف ( جولد ) ، أنه كان يتوجب عليه أن يتقدم بطلب براءة لاختراعه في ذلك . الحين ، و لكنّه كان يعتقد آنذاك ، بأنه يجب أن يقدم نموذجاً حيّاً لاختراعه مع الطلب من أجل الحصول على البراءة ، و لم يتقدم بالطلب حتى عام 1959. و قد أصيب بالإحباط عندما عرف بأن استاذه في جامعة كولومبيا و ( شاولو ) قد حصلا على براءة الليزر ، و التي أصبحت ملكاً لمختبرات ( بل ) . و يعتقد جولد أنّ طلبه الأول ” يحتوي عشرة اختراعات ” و لكن خياره الوحيد كان مطالبة ( شاولو ) و ( تاونز ) بما يسميه مكتب البراءة ب ( التدخّل ) . و لسوء حظه ، حكمت المحكمة بأنه لم يكن مستوعباً للفكرة عام 1957. فكان القرار ضده . كانت العملية التي حصل ( شاولو ) و ( تاونز ) على براءتها تتضمن استخدام بخار البوتاسيوم ، من ضمن مواد أخرى ، يوضع في أنبوب زجاجي كمادة نشطة تجعل حركة الليزر ممكنة . و قد بدت النظرية صحيحة لأن النسبة الكبرى من كتلة أي غاز هي في الحقيقة فراغ ، مما يجعل التنبؤ بتصرفاته عند حث انبعاث إشعاعه أكثر سهولة . و بذلك يصبح من الممكن دراسة كل جزيء على حدة دون الشعور بالقلق من تأثير جيرانه من الجزيئات الأخرى . لقد بدا أن البوتاسيوم اختيار جيّد ، لأن جزيئاته عبارة عن ذرات مفردة ، مما يجعل حساب تصرف الغاز أقل تعقيداً . و لكّن النظرية فشلت عندما طبّقها ( شاولو ) و ( تاونز ) ، فلم يستطيعا تنشيط العنصر بشكل كاف لتوليد الانبعاث . و قد حاول العديد من العلماء إجراء تجارب على مجموعة من الغازات المكونة من ذرات مفردة ، لإنشاء نموذج ملموس للأدوات التي وصفها ( شاولو ) و ( تاونز ) . و قدتم تشغيل إحداها بالفعل ، لكنّ الذي فاز بإنتاج أوّل ليزر عامل كان مشاركاً في إجراء التجارب غير متوقع له الفوز لأنه كان بعيداً عن الإشارة الأولى المثيرة ، و كان رجلا له أسلوب جديد ، هذا الرجل هو د. ( ثيودور اتش مايمان ) ، و هو فيزيائي في مختبرات هيوز لأبحاث الطيران في ماليبو في كالفورنيا . و قد أظهر حماس المبتكر الحقيقي في مواجهة المشاكل المادية و العلمية ليصل إلى إنتاج أوّل ضوء مضخم بالانبعاث المحثوث للإشعاع . و قد أثمرت جهوده الحثيثة في ربيع عام 1960 ، عندما أنتج شعاعاً ضوئياً يفوق ضوء الشمس و لمدة 1/1000 من الثانية . و عندما قابلناه لغرض هذا الكتاب ، تردد الدكتور ( مايملن ) لدى مقابلتنا له بالاعتراف بأن المسؤولين في مختبرات هيوز ” لم يكونوا متعاونين ” خلال بحثه الحثيث عن الليزر ، و لعدم رغبته في التشهير بمسؤول سابق . قال ( مايمان ) بأن مختبرات هيوز كانت مترددة في أن تخوض مجال بحث الليزر ، لأنها كانت تحقق إنجازات هامة في تقنية أمواج الميكروويف ، و كانت ملتزمة بعقود حكومية لإنتاج أجهزة الرادار و ألكترونيات عسكرية أخرى . و قد كانت أموال دعم البحثً تقتطع من أرباح الشركة التي كانت حريصة على عدم استثمار أموالها في مشاريع غير معروفة . إن دراسة الوضع تبيّن أن الصراع ما بين المبتكرين الملهمين و القيادة المتحفظة قد ينتج آفاقاً جديدة مربحة للشركة .

د. ثيودور اتش مايمان —-من كتاب: المبتكرون، جون ديبولد، دار البشير، 1993



unriyo