ظهور الليزر — الجزء االرابع

أثبت ليزر ثاني أكسيد الكربون فعاليته ، و خلال سنتين بدأت مؤسسات مثل مؤسسة ملاحة شمال أمريكا و شركة ريثيون و معهد ماساشوستس للتكنولوجيا بإيضاح النتائج القويّة لليزرات ثاني أكسيد الكربون التي ستصبح يوماً ما مصادر طاقة للأغراض الصناعية و العسكرية و أغراض البحث . و على أمل إيجاد ليزر أصغر حجماً و أكثر قابلية للحركة لا يحتاج لمصدر طاقة ذي قدرة عالية يصعب توفيرها ، حاولت بعض المجموعات في أوائل الستينات أن تدرس الجهد الكهربائي للمواد شبه الموصلة . و كان العلماء مفتونين بالضوء الأحمر اللامع الذي ينبعث عند تمرير تيار خلال فوسفات الجاليوم كمادة شبه موصلة . و بدأ العمل بتحويل هذا الضوء إلى شعاع ليزر بعد أن عرض ( مايمان ) ليزر الياقوت بفترة قصيرة . و في سنة 1962 تمكنت ثلاثة فرق بحث مستقلة في ثلاث مؤسسات هي جنرال الكتريك و أي بي إم و مختبرات لنكولن في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا من إنتاج الليزر شبه الموصل . و كانت التحسينات في المادّة النشطة و أساليب الضخ تبشّر بالكثير من الاستعمالات لليزر ، فأصبح بالإمكان السيطرة بسهولة على طاقته الناتجةعن الطريق مخزون فرق الجهد ، مما يجعله مناسباً لنقل الصوت و الصورة و الكثير من الأشياء العجيبة الأخرى . كان تطوير الليزر يتقدم بسرعة في السنوات التي تلت اكتشاف ( مايمان ) ، لكّن الاستعمال التجاري لتقنية الليزر كان ما يزال متأخراً . و لم يستطع العامّة ، و غيرهم في مجال الصناعة و التجارة ، أن يتخلصوا من فكرة أن الليزر لم يكن إلا سلاح دمار عجيب . و يتذكر د. ( مايمان ) مصارفة توضح هذه النقطة : قال : ” لقد تعرفت إلى ( بيتي ديفيس ) في حفلة ، و كان أول ما قالته : كيف تشعر عندما تكون مسؤولا عن آلة الدمار تلك ؟. لقد فاجأني ذلك ! و لا أذكر تماماً كيف كان رد فعلي ، عدا عن محاولة إيضاح أنها حصلت على معلومات غير صحيحة و لكنها أتت لا حقاً عندما همّت بالخروج و قالت إنها شعرت بأنها لم تكن منصفة ، و أزاجت عني المسؤولية ، على أساس أنه عندما يخترع العلماء شيئاً فإن المجتمع هو المسؤول عن التعامل معه بمسؤولية . و قد ازدادت هذه النغمة حتى أصبحت في موقف دفاع ، مع أنني لم أسمع عن أي شخص قتل بالليزر ولو الصدفة ” . كان الجيش مهتماً بوضوح بقوة الليزر التدميرية المحتملة ، و قد وافقت الحكومة على طلب ( مايمان ) السابق لعقد حكومي ، و ساعدت أموال وزارة الدفاع في تسريع عملية تطوير الليزر بشكل ملحوظ . و في الستينات ، رفضت خطة لاستعمال أشعة الليزر ضد صواريخ العدو لأنها غير عملية ، لتعود و تطبق في مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي أطلقتها إدارة ( ريجان ) . لم يكتشف شعاع ليزر مميت ، لكن الجيش يستخدم الليزر لعدة أغراض ، و تستمرّ الحكومة في توفير مساعدات إضافية لتطوير ليزرات لا ستخدامها في أغراص إنسانية. إنّ التوتر الذي حدث في البداية كرد فعل على الليزر كان مفهوماً . فقد كان لشعاع الليزر القدرة على حرق و فتح ثقب في حائط أو صفيحة معدنية إذا ما تم تركيزه ، لكنّ العلماء اعتبروه أداة رائعة جديرة بالملاحظة ، إذ كانت قوّة الليزر أقل أهمية من الخصائص التي ولدت هذه القوة بالنسبة إليهم . و يبدو للعين المجردة أنّ الشمس تشعّ أشعة صفراء و حمراء و برتقالية ، من ألوان الطيف ، و في الحقيقة ، تشعّ الشمس و المصباح الضوئي أشعة متعددة الألوان أو الموجات التي تتوزع ، منطلقة من المصدر ، في كل الجهات . و الليزر ينتج الأمواج الضؤئية بلون واحد و موجة واحدة ، و تتحرك هذه الموجات بانسجام في نفس الاتجاه . و ما يجعلها مميزة هو اتساقها و ضيق مجال تركيزها . كان إيجاد سوق تجاري لليزر أمراً معقّداً ، بسبب نقص التقنية المكمّلة ؛ و كانت الاتصالات بالأمواج الضوئية فكرة قديمة لكن تطبيقها الآن يبدو ممكناً . و لكنّ العلماء لم يخترعوا و سيطاً لنقل الضوء حتى انقضت عشر سنوات على اختراع ( مايمان ) لليزر الياقوت . و تحتاج معظم الابتكارات وقتاً طويلاً حتى تسوّق ، و لأن الليزر مبتكر فريد ، فقد استغرق وقتاً أطول من معظم الابتكارات الأخرى . وضح طبيب في مستشفى الأطفال في سنسيناتي أول استخدامات الليزر العملية ، فقد استخدم د. ( ليون جولدمان ) الليزر في علاج الورم القتاميني ، و هو أحد أشكال سرطان الجلد عام 1961، و أثبت لا حقاً بأنه يستطيع إزالة الأصباغ الخمرية ، و الوشم و التغييرات في الجلد الطبيعي . و كان أخصائيو الرمد متشوقين لمعرفة فيما إذا كان ليزر الياقوت سيحل مكان مصباح زينون كمصدر ضوء كاف للحم البقع في الشبكية المنفصلة. و قد رأى الجراحون العديد من الاستعمالات المحتملة لليزر في الطب ، لكنّ هذه الاستخدامات لا يمكن تطبيقها قبل صنع أدوات توفّر التحكم الدقيق بقوة الليزر . لقد بدا أن إنتاج الليزر سيكون حتماً صناعة جديدة و مربحة ، إلا أن طبيعة المنتوج أوجدت الحاجة إلى تخطيط إبداعي . و كان المفتاح لجني الأرباح المتوقعة هو ربط عدّة أنواع من الليزرات لتؤدي وظائف معينة ؛ وقد كان أكثر استخدامات الليزر شيوعاً في مجالات غير معروفة للعامة ، كاستعماله في أدوات رائعة تؤدي العديد من المهمات المخبرية التي كان يعتقد أنها مستحيلة . و في هذه الأثناء ، انبهر الناس بقدرة الليزر على نقل صورة ثلاثية الأبعاد ، و ذهل الناس عندما علموا أن شعاعي ليزر يضربان سطح القمر عام 1968 ، أي قبل سنة من رحلة ( ارمسترونج ) و ( الدرين ) و ( كولينز ) . لكنّ التقدم الهام في تقنية الليزر بدأ بعد الستينات .

تطبيقات إبداعية لتقنية الليزر

لم تؤثر الكثير من الأحداث على صناعة الليزر الناشئة ، كما أثر عليها تقرير شركة كورننج جلاس وركس في خريف عام 1970 ، الذي أعلنت فيه أنها أنتجت أليافاً زجاجية نقية بدرجة كافية لنقل شعاع الليزر الناقل للمعلومات . و قد أثبت هذا الإنجاز ، كما سنرى في الفصل القادم ، إمكانية الاتصالات بالأمواج الضوئية ، كما أنه كان حافزاً لإجراء البحوث في مجالات استخدام الليزر في الطب و غيره من الميادين . إنّ خصائص الشعاع الضوئي الناتج عن الليزر جعلته قابلا للاستخدام بفعالية في عدّة أنواع من الأنسجة في جسم الإنسان . فمثلا ، يستخدم شعاع ليزر الآرجون في جراحة العين دائماً ، و يمكن تسليطه مباشرة خلال العين دون أن يسبب ضرراً ، و ليس لطاقته أي تأثير حتى يسقط الشعاع الأزرق المخضر على المادّة الملونة الحمراء في الشبكية في مؤخرة العين ، حيث تمتص هذه الطاقة في تفاعل كيماوي ضوئي فوري ، مسببة انفجاراً مصغراً في النسيج . و هكذا يتخلص المريض من مشكلته بسهولة و بدون ألم . و تتطلب الإجراءات الطبية أنواعاً مختلفة من الليزرات و بخاصة الليزرات التي تستخدم ثاني أكسيد الكربون و البلورات الاصطناعية كمواد نشطة ، و تكون أشعة ليزرات ثاني أكسيد الكربون و بلورات عقيق اليتريوم ألمنيوم الاصطناعية غير مرئية ، و تستخدم كلاهما لأغراض مختلفة .و يشكل الماء 70% من النسيج في الجسم الإنساني ، لذا فإنه يمتص طاقة ليزر ثاني أكسيد كربون بسهولة ، وهو الليزر الذي ثبتت فعاليته كأداة قطع ، خاصة في مناطق لا يستطيع مبضع الجراح الوصول إليها . أما شعاع ليزر بلورات عقيق اليتريوم ألمنيوم الاصطناعية فتستطيع أيضاً اختراق جسم الإنسان ، و هي فعّالة للتخلص السريع من النسيج المريض أو غير المرغوب فيه . يوفر الليزر ( السكين الضوئية ) عدّة فوائد أخرى : فهو يخفض احتمال الإصابة بالعدوى و ذلك لأنه لا يوجد أدوات تلمس الجرح ، ولا يؤثر على النسيج المحيط . و هو يسدّ الأوعية الدموية لتتجلط أثناء الجراحة مخفضاً بذلك احتمالية النزيف المفرط . يستخدم الجراحون المجواف ( أداة تدخل الجوف ) المصنوعة من الألياف الضوئية لتحديد و استئصال العوامل الضارة ، باستخدام الأشعة في كل جزء من الجسم الإنساني ، بما في ذلك أعضاء مثل الرئتين و المريء و الممر المعدي المعوي ، دون أن يضطروا لإجراء عملية جراحية .

من كتاب: المبتكرون، جون ديبولد، دار البشير، 1993

unriyo