إشعاع بيتا المزدوج عديم النيوترينو

عمر نصير – مختبر أرغون – شيكاغو

(Neutrino-less double beta decay)

76Ge → 76Se + ββ

تنتظر جائزة نوبل من يكشف عن هذا النمط من الإشعاع!

إن نمط الإشعاع من نوع بيتا في الأنوية غير المستقرة يعتمد على النسبة بين عدد النيوترونات إلى البروتونات في النواة. فعند دراسة مجموعة من الأنوية المتكاتلة (isobars)، وهي أنوية لعناصر مختلفة تتساوى في عددها الكتلي الناتج عن جمع عدد البروتونات إلى عدد النيوترونات في النواة، نجد أن هناك تفاوت في كتلها المقاسة، ذلك الفرق ناتج عن إختلاف مقدار طاقة الربط النووي بين مكونات نواة وأخرى. تسعى الأنوية الأثقل إلى لفظ جزء من طاقتها بإشعاع جسيم بيتا وجسيم اخر يدعى النيوترينو الناتجين عن تحول نوع من النيوكليونات (بروتون أو نيوترون) إلى النوع الاخر للوصول إلى نسيبة أفضل بين عدد النيوتونات إلى البروتونات، فتقل كتلتها وتصبح النواة نسبيا مستقرة أكثر، وبدورها تشع النواة الوليدة الطاقة بنفس الطريقة وصولا في نهاية الأمر إلى أعلى مستوى من الإستقرار يمكن الوصول إليه (أقل كتلة ممكنة) ضمن مجموعة الانوية المتكاتلة، وهي تلك النقطة في قعر القطع المكافيء الموضح في الصورة المرفقة أدناه. المتكاتلات الغنيات بالنيوترونات تضمحل بإشعاع بيتا السالب (نيوترون يتحول إلى بروتون و ضديد نيوترينو) وهي الأنوية التي تكون على الجانب الأيسر من القطع المكافيء وصولا إلى أسفل المنحنى، في حين تضمحل الأنوية الأغني بالبروتونات (تلك الائي يقعن على الجهة اليمنى من القطع) بإشعاع بيتا الموجب (إطلاق البوزيترون وهو إلكترون موجب الشحنة) وجسيم النيوترينو، أو بإلتقاط إلكترون من المدار الذري الأول. المتكاتلات الزوجية (ذوات العدد الكتلي زوجي) قد تحوي عددا زوجيا من البروتونات ووزوجيا من النيوترونات أو عددين فرديين بحيث يكون المجموع عدد زوجي. ينتج عن ذلك وجود قطعين مكافئين يعلو القطع ذو الأعداد الفردية ذلك الاخر ذو الأعداد الزوجية، ما يجعل مسار عملية الإشعاع على القطع من الأعلى إلى الأسفل متعرجا.

Beta decay

تنبأت العالمة ماريا غوبيرت-ماير Maria Goeppert-Mayer بظاهرة فريدة بني أساس تنبئها على مجموعة المفاهيم الانفة الذكر، فقد توقعت وجود أنوية تشع جسيمي بيتا في ان واحد وذلك عندما تكون كتلة النواة الناتجة من إشعاع بيتا-أحادي أكبر من كتلة النواة الأم، فتفضل النواة لفظ جسيمي بيتا ونيوترينويين (أو إلتقاط إلكترونين كما في بعض الأنوية الواقعة على اليمين من المنحنى). هذا النوع من الإشعاع أطلق عليه عام 1935م بإضمحلال بيتا المزدوج الإعتيادي ordinary double-beta decay. انذاك كان العلماء يعلمون بوجود جسيم يدعى النيوترينو ذو كتلة صغيرة جدا ويتفاعل مع المادة عن طريق القوة الضعيفة فقط، لذلك يصعب جدا الكشف عنه. في عام 1937م عرض العالم الإيطالي إيتور مايورانا Ettore Majorana أن لا مانع نظريا إن لو حدث إشعاع بيتا مزدوج بدون نيوترينوات، فلن يتغير شيء في نتائج نظرية إضمحلال بينتا لو إفترضنا ان النيوترينو هو نفسه ضديد النيوترينو، بحيث ما إن ينبعثان سويا من النواة يمحقان annihilate، فلا يظهر لهما أثر ما يعني أن الإشعاع حدث بدون وجود جسيمات النيوترينو وهو ما يعد إنتهاك لمبدأ حفظ اللبتونات (عدد اللبتونات على يمين المعادلة يساوي عددها على اليسار، واللبتونات هنا هي الإلكترونات والنيوترينوات، بحيث يساوي العدد اللبتوني لجسيم إصطلاحا +1 ولضديده يساوي -1). أطلق فيما بعد على كل الفيرميونات (جسيمات أساسية مثل الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات وغيرها تكون مركبة غزلها في الإتجاه-z تساوي مضروبة بثابت بلانك 1/2 أو أحد مضاعفات تلك النسبة، وتخضع لتوزيع فيرمي-ديراك الإحصائي) التي تكون جسيماته المضادة هي نفسها، بجسيمات مايورانا.

إن أهمية هذا التفاعل تكمن في أنه يمكن العلماء من الذهاب إلى ماهو أبعد من النموذج القياسي standard model في تحديد هوية النيوترينو، بل بالكشف عن هذا التفاعل يمكن تحديد كتلة النيوترينو بدقة أفضل من الطرق الأخرى، وبالتالي تفسير لماذا لا يعطي الهيغز بوزون كتلة كبيرة نسبيا للنيوترينو كتلك للإلكترون إذا كان أصلا مسؤول عن منح النيوترينو أي كتلة.

مضت 75 سنة وأكثر ولم يكشف عن هذا التفاعل بعد، والسبب هو طول عمر النصف لهذا النوع من الإشعاع، بحيث أن الحد الأدنى المتفق عليه لمتوسط عمر النصف للأنوية ال35 المعروفة بهذا النوع من الإشعاع طويل جدا يصل إلى 10^18 سنة، وبالتالي فإن إضمحلال واحد قد لا يظهر في أجهزة الكشف التي تعتمد مبدأ العد نظرا لوجود خلفية إشعاعية في بيئة الكشف المخبري تخفي هذه القراءة. فهذه القياسات تمت بطرق جيوكيميائية لا نووية وفيها نسبة خطأ عالية، لذلك نقول الحد الأدنى ولا نحدد.

ذهب العلماء سحيقا في باطن الأرض في مختبر ستانفورد وبعيدا عن كل الإشعاع الخلفي القادم من كل مكان في الكون، وقرروا إستخدام كواشف الجيرمانيوم المثرى بنسبة 86% بنظير الجرمانيوم-76 المهم، بحيث يكون مصدر إشعاع بيتا المزدوج هو نفسه الكاشف النووي فلا تهدر القراءة ولا تتأثر بالمحيط. يتوقع العلماء في تجربة MAJORANA أن يتمكنوا من قياس إضمحلالة واحدة كل 12عاما!



unriyo