ما هو سر النسبية الخاصة
تحسب السرعة حسب معادلات الحركة في الفيزياء الكلاسيكية بأخذ دور التسارع في زيادة السرعة (أو تقليلها) بشكل مباشر. وكان يعتقد أنه يمكن للتسارع المستمر لمالانهاية أن يصعد بقيمة السرعة باطراد إلى مالانهاية أيضا. لكن حتى بداية القرن العشرين كانت قد توفرت شواهد بأن زيادة السرعة لأي شيء مادي لا يمكن ان تستمر بلا نهاية وأن تلك السرعة محدودة بسقف لا يمكن لأي كيان مادي مهما كان أن يصله، فضلا عن أن يتجاوزه. وكانت هذه هي المعضلة التي استطاع ألبرت آينشتاين حلها في صياغته لنظرية النسبية الخاصة التي نشرها عام 1905.
كان الضوء هو أساس الاختبارات التي أجريت في هذا السياق، حيث كان السعي لمعرفة كيف تتغير سرعة الضوء إذا ابعث من مصدر متحرك، سواء مع أو عكس اتجاه انبعاثه. وكانت المفاجأة أن سرعة الضوء ثابتة لا تتغير، قد تنقص إذا سار الضوء في وسط ما لكنه في الفراغ حيث يفترض انه أسرع ما يمكن، لا يمكن لسرعته أن تتجاوز الحد الذي يشكل سقف السرعة لأي جسيم أو كيان مادي. وهذه السرعة هي بالتقريب 300 ألف كيلومتر في الثانية. سرعة هائلة لكنها محدودة، لا يمكن لأي كيان مادي تجاوزها بأي حال وتحت أي ظرف.
هنا وضع اينشتاين هذا الافتراض، وسلم بأن السرعة الحدية (السقف) هي سرعة الضوء، ثم أعاد بناء معادلات الحركة بتسارع ثابت لتتوافق مع هذا الافتراض. فخرج علينا بصيغة تصحيحية في المعادلات تضع حدا لسرعة الكيان المادي إذا اقتربنا من سرعة الضوء. هذه الصيغة التصحيحية هي معامل يضرب في السرعة، وتكون قيمته “واحد” طالما كانت السرعة أقل كثيرا من سرعة الضوء، فإذا اقتربنا من سرعة الضوء أصبحت قيمة هذا المعامل تصغر وأصبحت السرعة كأنما تتعرض لإبطاء وأصبحت زيادة السرعة بحاجة إلى طاقة أكبر وأكبر من المعتاد عند السرعات الدنيا، وبذلك يصبح الوصول إلى سرعة الضوء أكثر فأكثر صعوبة. أما الوصول إلى سرعة الضوء فيحتاج إلى طاقة لانهائية ما يعني عمليا أنه من المستحيل لأي كيان مادي أن يتحرك بسرعة الضوء.
هذا المعامل لا يحكم السرعة فقط، لأن السرعة مرتبطة بالمسافة والزمن، فإذا كانت السرعة “تتقزم” كيلا تصل لسرعة الضوء فالأمر نفسه سيحدث لمكوناتها أي المسافة والزمن. ولأن المسافة بسط في تعريفنا للسرعة، فهي إذن سوف تتقزم بتقزم السرعة أما الزمن فباعتباره مقاما في تعريف السرعة، فسوف يتطاول أو يتمدد ليتحقق تقزم السرعة. هذا وصف للناحية الرياضية، فكيف يترجم هذا عمليا؟
وضمن التجارب العملية التي تثبت صحة حسابات النسبية الخاصة، تمت تجربة لقياس زمن تحلل ميزون أثناء عبوره في الغلاف الجوي. والميزون هو جسيم أولي ينحل بعد زمن قصير من تكونه نتيجة تفاعل الإشعاع الكوني مع الطبقة العليا من الغلاف الجوي. وقد تم قياس عدد الميزونات الي تصل الى قمة جبل يرتفع 2000 متر عن سطح البحر خلال ساعة، ثم قياس عدد تلك التي تصل إلى نقطة عند سطح البحر. ففرق الارتفاع معروف إذن. المفروض ان المسافة التي يقطعها الميزون وهو يسير بسرعة 98% من سرعة الضوء، ستستغرق زمنا قدره حوالي أربعة أضعاف عمر النصف للميزون. وعمر النصف هو الزمن اللازم لعدد معين من الميزونات لينحل نصفها ويبقى النصف. وبذلك يتوقع ان يصل الى مستوى سطح البحر (أسفل الجبل) عدد ضئيل جدا من الميزونات في الساعة. ابتداء تم عد 568 ميزونا في ساعة عند قمة الجبل، فكان المتوقع أن يصل منها 27 ميزونا الى مستوى سطح البحر. لكن الذي حدث أنه عند نزول الفريق الى سطح البحر، وجد أن العدد الذي وصل الى هناك كان 418 ميزونا وليس 27 كما اعتقدنا. وكان تفسير ذلك أن “ساعة” الميزون التي تؤذنه بالانحلال كانت أبطأ كثيرا من ساعاتنا وبمعامل يساوي معامل التصحيح الذي وضعه اينشتاين، وهذا تباطؤ الزمن الذي يعيشه الميزون خلال رحلته بسرعة قريبة من سرعة الضوء.
د. محمد عوض الله