لماذا ميكانيكا الكم – الحلقة الثانية
تنظر تتفحص تحاول أن تميز ما حولك، وقفت تنظر تتفحص وتحول أن تميز ما حولك، خواء فارغ مظلم يمتد في كل الاتجاهات، فجأة ظهر من بعيد ما يشبه الشهاب ماراً من البعيد مواصلا طريقه إلى البعيد كأن لونه أخضر قريبا إلى الصفرة سار أمامك بعيدا وأنت تراقبه ثم اختفى فجأة، كأنما ابتلعه نفق فلم تعد ترى له أثرا، أنت لا تعلم أن هذا فوتون ضوء تم امتصاصه بالكامل من قبل إلكترون في ظاهرة تسمى التأثير الكهرضوئي، وتابعت مسح الفضاء المحيط في كل الاتجاهات، تحد النظر إلى اليمين وإلى اليسار، إلى أسفل وإلى أعلى. وبما أنك لا تقف على أرضية وليس لديك اتجاه مرجعي تقيس بالنسبة له الاتجاهات والأماكن فأنت تسبح بكل حرية، وتطوح بيديك ورجليك كطفل يرميه أبوه في الهواء ثم يتلقفه، فهو يستمتع ببرهة التحليق الحر كما يخيل إليه. حسنا لنبق لك هذه الميزة في هذا الحيز بين الذري لكي نستطيع من خلالها اكتشاف هذا العالم وتعلم أسس ومفردات ميكانيكا الكم.
ها أنت اقتربت من ذرة نيتروجين معلقة هكذا في هذا الفضاء، وحيث أنك تستطيع توجيه نفسك والسباحة بأي اتجاه تريد فقد لفت انتباهك وجود شئ هكذا تحس به خيالا دون أن تتبين معالمه. ولكي تتمكن من الاقتراب والتجول، التعرف سوف نمنحك خاصية وقدرة استثنائية للرؤية تمكنك من استخدام نوع خيالي من الضوء خاص بعينك فقط ولا يؤثر في شئ مما حولك ولا يمكن أن تعتبره ناتجا فيزيائيا لأية عملية مما حولك، تذكر جيدا، هو فقط ضوء خيالي خاص بك لا وجود له في الواقع الحقيقي. حسنا لنقل أننا أعطينا الإذن ببدء عمل هذا الضوء الآن. لقد اصبحت فجأة “تبصر” ما حولك.
ما هذا الذي تراه؟! إنك ترى تكتلا ضبابيا على بعد قريب أمامك. وتسبح باتجاهه. وكلما اقتربت أصبحت تبصر بوضوح أكثر. إنك تحس خلال سباحتك أنك تخترق شيئا شبيها بالغيوم لكنه شفاف نوعا ما، وأشبه بالجدران الوهمية التي يقع بعضها خلف بعض. نعم إنك تمر قاطعا مستويات تواجد الإلكترونات وحيث تقترب أكثر تصبح هذه الجدران الهلامية الإلكترونية أكثر تقاربا من بعضها.
لاحظ أنك مزود بخاصية الاختفاء عن المجال الكهرمغناطيسي حيث لا تتأثر جسميا بالشحنات ولا بالمجالات، يعني كأنما أنت شبح أو جني تخترق الجدران وتعبر المادة كانها غير موجودة أمامك. بهذا فأنت قادر على الولوج بين المستويات الإلكترونية دون أن تحدث تأثيرا بها ودون أن تؤثر هي عليك.
اخترقت المستويات أو السحب أو الأسوار الإلكترونية وأصبحت تقف الآن وجها لوجه أمام كتلة تشبه الكرة، ولكنها ليست بكرة ربما يمكنك وصفها بفقاعات من الصابون الكثيرة المتلاصقة لكنها في حركة دائمة تدخل في بعضها وتخرج ويطفو بعضها على السطح ثم يعود فيغوص داخلها. منظر بديع مدهش. لا تكاد تستطيع تمييز أحداها من الاخرى فكلها متشابهة لكن معالمها ليست محددة، فهي ليست كرات وليست فقاعات. هي ممتلئة لكن بماذا؟! لا يمكنك التحديد، تبدو كان بها سائلا عكرا لكن سطوحها ليست محددة كالخرز، كأنما هي قطرات من الحليب لكنها ليست كذلك إذ لا يمكن أن تندمج فتكون قطرة واحدة. أغرتك فكرة أن تقترب فتمسك بواحدة منها لكنك أحجمت في اللحظة الأخيرة.
يتبع في الحلقة القادمة..
د. محمد عوض الله