العلم في زمن الكورونا
في هذه الأيام التي قضي فيها على الناس بالتزام منازلهم وتقليل التواصل بينهم واغلاق المدارس والجامعات وإيقاف جميع النشاطات
الاجتماعية والرياضية والفنية.. الخ.. كان الملاذ “الأكثر أمانا” للتواصل بين الناس هو الفضاء الافتراضي سواء وسائل التواصل
الاجتماعي أو مواقع الانترنت أو التطبيقات الكثيرة على الهواتف. لكن الذي نما وتمدد وطغى بشكل لافت كان مواقع الاجتماعات
والمؤتمرات الافتراضية مثل زوم و ويبكس ورنع سنترال ولا ننسى سكايب الذي وجد واستخدم منذ زمن بعيد.
ولعل اللافت أن إجبار الناس على التزام منازلهم قد فتح لهم الآفاق للمشاركة في النشاطات العالمية بغض النظر عن المسافة أو
التوقيت. كان كورونا بمثابة حافز لإبعاد القريب وتقريب البعيد، فصرت ترى العائلات التي تتوزع في أنحاء الكرة الأرضية تتجمع
على نفس الشاشة في مربعات صغيرة متراصة، لا يعلم المرء أيهم في البيت المجاور وأيهم في القارة المجاورة.
في هذه الأجواء أتيحت الفرصة للعلم أن يتوسع في العالمية، فرغم أن وسائل التواصل كانت متاحة ومفتوحة وميسرة قبل كورونا،
إلا أنك لم تكن ترى هذا الكم الهائل من الأحداث العلمية والمحاضرات القيمة، تتناثر الدعوات التي تحمل الروابط للدخول إليها
مجانا والتي يمكنك فيها مشاهدة ومناقشة المحاضر دون تحمل مشقة السفر وأذونات الدخول وضوابط الحضور.
لكن الذي تأثر بطريقة دراماتيكية بهذا التحول، كان التعليم. حيث أن التعليم الافتراضي، أو التعليم “عن بعد” كما شاعت التسمية، قد
أصبح الخيار الوحيد المتاح لتجنب أن يحرق الطلبة الشهور وربما السنوات دون طائل بانتظار العودة للتعليم التقليدي (الوجاهي).
ورغم أن هذا التحول المفاجئ كان بمثابة صدمة للطلبة والمعلمين والأهل، بل وحتى المسؤولين عن القطاعات التعليمية، إلا أنه وبعد
انقضاء لحظات المفاجأة، أثبت التعليم الافتراضي أنه قد فتح أبوابا جديدة للإبداع والابتكار في التعلم والتعليم، أولها أن الطالب أصبح
شريكا في مسؤولية تعلمه بعد أن كان في معظم الوقت معتمدا على المعلم. وثانيها ان الطلبة اصبحوا قادرين على الانتقال والاختيار
من معلم الى اخر عبر ما يتيحه الفضاء الافتراضي من دروس مجلة وفيديوهات لمعلمين ومعلمات من مختلف الدول تطرح
الموضوع نفسه وبأساليب مختلفة. أما الباب الثالث، فهو سهولة ربط المعلم لصفحته عبر منصة المدرسة أو المعهد التعليمي، بروابط
لمصادر تعليمية اخرى تعزز الموضوع الذي يطرحه وترسخه وتقدم المزيد من التطبيقات والأمثلة عليه، ينطبق هذا على
الموضوعات الطبية والهندسية والزراعية كما ينطبق القانون والادب وعلم الاجتماع. ولعل اليوتيوب، إذا ما صاحبه إرشاد وتوجيه
من المعلم لطلبته إلى مشاهدة ما يلزم وما يفيد لموضوعه، يشكل بحد ذاته مدرسة افتراضية كاملة. وربما امكنتا اضافة باب رابع
للابواب السالفة، هو ان الكثير من المعلمين والمعلمات قد انشأوا قنواتهم الخاصة بهدف الوصول لطلبتهم، لكن هذا في الوقت نفسه
قد ادى الى اثرا اليوتيوب خاصة والفضاء الافتراضي عامة بالمزيد من المادة التعليمية التي يمكنها اذا تمت غربلتها وتداولها ان
تشكل ثروة تعليمية اصبحت متاحة على مستوى العالم، بعد ان كانت حبيسة الغرف الصفية. وربما كان هذا المنحى قد انطلق لتوه،
وربما لن يتوقف حتى بعد انتهاء الحجر والإغلاق وعودة الحياة لطبيعتها السابقة.
ورغم أن أحدا لا ينكر فعالية التفاعل الصفي الوجاهي، لكن هذه كانت بعض السمات الإيجابية للظروف التي صاحبت جائحة كورونا
على العلم والتعليم. نسأل الله تعالى السلامة والحفظ للجميع، وان يعود الطلبة ومعلميهم الى المدارس والمعاهد بسلامة وأمان.