سيرته:
هو أبو علي الحسن بن الهيثم، والمهندس البصري، ولد في البصرة سنة 354 هـ، (965م)على الأرجح. ويصفه ابن أبي أصيبعة في كتابه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) فيقول: “كان ابن الهيثم فاضل النفس، قوي الذكاء، متفنناً في العلوم، لم يماثله أحد من أهل زمانه في العلم الرياضي، ولا يقرب منه. وكان دائم الاشتغال، كثير التصنيف، وافر التزهد…”.
ركز ابن الهيثم تجاربه على طريقة انتقال الضوء وعلى الألوان. والأوهام البصرية وانعكاس الضوء. ودرس انكسار أشعة الضوء في الوسط الشفاف كالهواء والماء فاكتشف قوانين انحراف الضوء. كما أجرى الاختبارات الأولى على تشتت الضوء والالوان التي تركبه. ولامس اكتشاف نظرية العدسات المكبرة التي وضعت في إيطاليا بعد ثلاثة قرون من وفاته، بعمله على الاجزاء الكروية الزجاجية المليئة بالمياه. واستغرق اكتشاف قوانين الجيوب من قبل ديكارت وسنيل ثلاثة قرون اخرى.
انجازاته:
فقد اكتشف ابن الهيثم ظاهرة انكسار الضوء أي انحراف الصورة عن مكانها في حال مرور الأشعة الضوئية من وسط معين إلى وسط غير متجانس معه. كما اكتشف أن الانعطاف يكون معدوماً إذا مرت الأشعة الضوئية وفقاً لزاوية قائمة من وسط إلى وسط آخر غير متجانس معه. وضع ابن الهيثم بحوثاً فيما يتعلق بتكبير العدسات، وبذلك مهّد لاستعمال العدسات المتنوعة في معالجة عيوب العين. وكان أول من قدم وصفا صحيحا لأجزاء العين وأعطى تفسيرا للكيفية التي ترى العين بها. وكان رأي بطليموس أن الرؤية تتم بواسطة أشعة تنبعث من العين إلى الجسم المرئي، وقد تبنى العلماء اللاحقون هذه النظرية. ولما جاء ابن الهيثم نسف هذه النظرية في كتابه المناظر، فبين أن الرؤية تتم بواسطة الأشعة التي تنبعث من الجسم المرئي باتجاه عين المبصر. فبعد سلسلة من اختبارات أجراها ابن الهيثم بيّن أن الشعاع الضوئي ينتشر في خط مستقيم ضمن وسط متجانس.
وتوصل ابن الهيثم إلى اكتشاف وهم بصري مرده أن المبصر، إذا ما أراد أن يقارن بين بعد جسمين عنه أحدهما غير متصل ببصره بواسطة جسم مرئي، فقد يبدو له وهماً أن الأقرب هو الأبعد، والأبعد هو الأقرب. مثلاً، إذا كان واقفاً في سهل شاسع يمتد حتى الأفق، وإذا كان يبصر مدينة في هذا الأفق (الأرض جسم مرئي يصل أداة بصره بالمدينة)، وإذا كان يبصر في الوقت نفسه القمر مطلاً من فوق جبل قريب منه (ما من جسم مرئي يصل أداة بصره بالقمر)، فالقمر في هذه الحالة يبدو وهماً أقرب إليه من المدينة
وحاول تفسير عملية الرؤية من خلال المنظار وأعطى شرحا صحيحا لسبب ازدياد حجم القمر والشمس عندما يقتربان من الأفق. ويعتبر من أول من استخدم الحجرة المظلمة لمراقبة التغيرات في الرؤية. فهو بفضل عمله المكثف هذا وأبحاثه يعتبر أبا لعلم البصريات.
مؤلفاته:
لابن الهيثم عدد كبير من المؤلفات شملت مختلف أغراض العلوم. وأهم هذه المؤلفات:
كتاب المناظر، كتاب الجامع في أصول الحساب، كتاب في حساب المعاملات، كتاب شرح أصول إقليدس في الهندسة والعدد،كتاب في تحليل المسائل الهندسية، كتاب في الأشكال الهلالية، مقالة في التحليل والتركيب، مقالة في بركار الدوائر العظام، مقالة في خواص المثلث من جهة العمود، مقالة في الضوء، مقالة في المرايا المحرقة بالقطوع، مقالة في المرايا المحرقة بالدوائر، مقالة في الكرة المحرقة، مقالة في كيفية الظلال، مقالة في الحساب الهندي، مسألة في المساحة، مسألة في الكرة، كتاب في الهالة وقوس قزح، كتاب صورة الكسوف، اختلاف مناظر القمر، رؤية الكواكب ومنظر القمر، سمْت القبلة بالحساب، ارتفاعات الكواكب، كتاب في هيئة العالم. ويرى البعض أن ابن الهيثم ترك مؤلفات في الإلهيات والطب والفلسفة وغيرها.
ويعتبر كتاب المناظر ثورة في علم البصريات، فابن الهيثم لم يتبن نظريات بطليموس ليشرحها ويجري عليها بعض التعديل، بل إنه رفض عدداً من نظرياته في علم الضوء، بعدما توصل إلى نظريات جديدة غدت نواة علم البصريات الحديث.
وترجم كتاب المناظر الى اللاتينية في القرون الوسطى إضافة إلى كتاب آخر له يتناول الالوان. ويسجل لابن الهيثم دراساته المطلوبة عن ظواهر فيزيائية مختلفة كقوس قزح والظل والكسوف وطبيعة الضوء. ومن بين العلماء الغربيين الذين اعتمدوا في أعمالهم على كتاباته ليوناردو دافنشي ويوهانس كبلر.
ويمكن العثور في كتاباته على شواهد عن تطور المناهج العلمية التي طبقها العلماء المسلمون من مراقبة منهجية للظواهر موضوع دراساتهم وعلاقاتها بالنظريات العلمية العامة… وشكل ذلك اختراقا كبيرا في المنهجية العلمية وافتراقا نهائيا عن التكهنات والتخمين ووضعت الدراسة العلمية على أسس ثابتة تقوم على العلاقات المنهجية بين المراقبة والنظرية والتحقق.
فهو يصف ملامح المنهج التجريبى الاستقرائى الذى اتبعه فى بحث ظاهرة الابصار بقوله:
“… رأينا أن نصرف الاهتمام الى هذا المعنى بغاية الإمكان ونخلص العناية به ونوقع الجد فى البحث عن حقيقته ونستأنف النظر فى مباديه ومقدماته ونبتدىء بالاستقراء الموجودات وتصفح أحوال المبصرات وتمييز حواص الجزئيات ونلتقط باستقراء ما يخص البصر فى حال الإبصار وما هو مطرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس … ثم نترقى فى البحث والمقاييس على التدريج والترتيب مع انتقاد المقدمات والتحفظ من الغلط فى النتائج ونجعل غرضنا فى جميع ما نستقرئه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى ونتحرى فى سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الاراء … فلعلنا ننتهى بهذا الطريق الى الحق الذى به يثلج الصدر ونصل بالتدرج والتلطف الى الغاية التى عندها يقع اليقين ونظفر مع النقد والتحفظ بالحقيقة التى يزول معها الخلاف وتنحسم بها مواد الشبهات … وما نحن من جميع ذلك براء مما هو فى طبيعة الانسان من كدر البشرية ولكننا نجتهد بقدر مالنا من القوة الانسانية ومن الله نستمد العون فى جميع الامور”.
جاء في كتاب (أخبار الحكماء) للقفطي على لسان ابن الهيثم: “لو كنت بمصر لعملت بنيلها عملاً يحصل النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقصان”. فوصل قوله هذا إلى صاحب مصر، الحاكم بأمر الله الفاطمي، فأرسل إليه بعض الأموال سراً، وطلب منه الحضور إلى مصر. فلبى ابن الهيثم الطلب وارتحل إلى مصر حيث كلفه الحاكم بأمر الله بإنجاز ما وعد به. فباشر ابن الهيثم دراسة النهر على طول مجراه، ولما وصل إلى قرب أسوان حيث تنحدر مياه النيل، وتفحصه في جوانبه كافة، أدرك أنه كان واهماً متسرعاً في ما ادعى المقدرة عليه، وأنه عاجز على البرّ بوعده. حينئذ عاد إلى الحاكم بالله معتذراً، فقبل عذره وولاه أحد المناصب. غير أن ابن الهيثم ظن رضى الحاكم بالله تظاهراً بالرضى، فخشي أن يكيد له، وتظاهر بالجنون، وثابر على التظاهر به حتى وفاة الحاكم الفاطمي. وبعد وفاته عاد عن التظاهر بالجنون، وخرج من داره، وسكن قبة على باب الجامع الأزهر، وطوى ما تبقى من حياته مؤلفاً ومحققاً وباحثاً في حقول العلم، فكانت له إنجازات هائلة.
توفى الحسن بن الهيثم بمصر عام 430 هـ(1040م)، رحمه الله تعالى.
مواضيع ذات صلة