ظهور الليزر — الجزء الخامس
إنّ الأمل في القضاء على السرطان بأشعة الليزر لم يتحقق بعد، و لكن الأطباء استطاعوا إزالة سرطان حنجرة في مراحله الأولية بعملية قصيرة وعلاج، مختصرين بذلك أسابيع من العلاج الإشعاعي المزعج. و يبقى الإستعمال الإبداعي لليزر في الطب في مراحله الأولى بالرغم من أنّ مليوناً من الأمريكيين عولجوا بالليزر عام 1988. و قد كان علاج العينين أهم مجال لليزر ، لكنّ العلماء يكتشفون أساليب جديدة بانتظام في شتى المجالات ؛ فقد ألهم نزوع ليزر الأرجون لإنهاء اللون الأحمر العلماء لإجراء فحوص سريرية لإنتاج صبغة حمراء مشتقة من الهيماتوبورفين ، وحقنها في أجساد مرضى السرطان في مرحلته النهائية . و تمتص الأنسجة السرطانية فقط هذه الصبغة مما يسمح لشعاع الليزر نظرياً أن ينجذب للصبغة الحمراء ، و يقضي على الورم. ولن تعرف نتائج الاختبارات إلا بعد سنين، ولكن احتمال الشفاء وارد. وقد تمّ تحويل بعض الاستخدامات البشرية لليزر إلى تقنيات مربحة ، فقدرة الليزر على صنع صور أدت إلى توظيفه في نظام يحفظ بطاقات الاعتماد . ووجهت التقنية التي أنتجت التسجيلات على أقراص الفيديو التي لم تلق استحساناً إلى إنتاج أقراص سمعية محكمة الصنع والتي كانت ناجحة بشكل كبير . وتستمر التطبيقات العملية بالتزايد كلما قامت الصناعات بدراسة خصائص الليزر وكلما استمر المنتجون بتطوير أدوات أقل ثمناً ومصممة لمهمات معينة ، تجعل خصائص شعاع الليزر المتعددة من هذه الأشعة ، أداة قيمّة للقياس والثقب والقطع واللحام في المختبرات والمصانع والمنشآت العسكرية والمدنية بشتى أنواعها حتى مخازن البيع بالمفرق . لقد ظهر الليزر في السوق المحلي في منتصف السبعينات لاستخدامه في ترتيب وجرد البقالة ولوضع تاريخ الإنتهاء على علب المنتوجات المختلفة ، فتعدد استعمالات الليزر يجعله منتجاً مهماً وقيّماً . وفي الوقت الحاضر ، يعمل في صناعة الليزر في الولايات المتحدة حوالي عشرة آلاف موظف ، وتبلغ رؤوس الأموال المستثمرة حوالي 600 مليون دولار تنتج أرباحاً ببلايين الدولارات المساندة لصناعة الليزر . لقد سببت عملية إنتاج الليزر المزيد من المحن والانتصارات لمبتكريها الرئيسين وهما ( جوردون جولد ) و ( تد مايمان ) ، فقد منح كل من ( شارلز تاونز ) و ( آرثر شاولو ) جائزة نوبل تقديراً لجهوده في اكتشاف الليزر ، أمّا ( جولد ) فقد أمضى سنوات عديدة وأنفق مبالغ طائلة ليثبت ملكيته لبراءة اختراع الليزر ، وكان ل ( مايمان ) مشاجراته الخاصة مع مكتب إصدار البراءة . لقد سببت محاولات ( جولد ) الفاشلة في تحدي براءة ( تاونز ) و ( شاولو ) الإحباط ( لجولد ) نفسه حتى منحته المحكمة أخيراً حقوق براءة ثلاثة اختراعات : الليزر المضخوخ ضوئياً عام 1977 ، والعملية التي تتضمن الثقب والقطع واللحام بالليزر عام 1979 ، وبراءة ليزر تفريغ الغازات عام 1987. وقد منحته البراءات الثلاث الحقوق الرجعية بالإضافية إلى فوائدها ورسوم الرخصة التي كان من المفروض أن يحصل عليها خلال سريان مفعول البراءات . وفي بداية عام 1988 ، كان ( جولد ) قد كسب أكثر 25 مليون دولار من البراءات ، وكان ينتظر الكثير أيضاً . وفي الواقع ، لقد أفاد مادياً من التأخير على الرغم من دفعه تسعة ملايين دولار رسوماً قانونية لأن البراءات كانت ستنتهي لو حصل عليها مبكراً . وسيكون قد خسر قمّة ازدهار الليزر ، إذ كان قد باع 80% من ملكيته المتوقعة لمستثمرين خارجيين لتغطية النفقات القانونية الناتجة عن مطالبته بحقوقه . ونظراً لقناعته بأن رؤساءه ليس لديهم فكرة عمّا سيفعلونه بالليزر ، فقد غادر ( مايمان ) هيوز في صيف عام 1960 ، وأنشأ مختبره الخاص لليزر في شركة أصغر حيث أمل أن يستطيع الإفادة مادياً من عمله . وهو مصرّ بأن أول ليزر في العالم كلّف هيوز ما قيمته خمسين ألف دولار ، بما في ذلك القطع والأيدي العاملة والنفقات العامة ؛ وقد استعادت هيوز أضعاف هذا المبلغ من رسوم الترخيص . وبعد السنة الأولى من التردد ، بدأ علماء الشركات الأخرى بإنتاج ليزر يشبه مفتاحه حرف ( كيو ) وتعاونوا على تطوير ليزر أيون الغاز الخامل . واكتشفوا أن حثّ التبعثر أدى إلى أسلوب متعدد الأغراض لتغيير التردد البصري ، وقد جعلت العقود الحكومية شركة هيوز منتجاً رئيسياً لليزر الذي يستعمله الجيش لتحديد المدى . وبدعم رئيسي من شركة يونيون كاربيد ، استطاع ( مايمان ) أن يعيد تنظيم الشركة التي انضم إليها ، و غيّر اسمها إلى كوراد و ذلك لتبدأ بإنتاج و تسويق الليزر . و بعد بضع سنوات ، أبلغه محامي براءة شركة هيوز أن الشركة لم تستطع العثور على ورقة التي يفترض أنّه وقّعها و التي تمنح هيوز حقوق أي اختراع يخترعه خلال عمله فيها . و كان ( مايمان ) متأكداً بأنه لم يوقّع أية ورقة ، و هذا يعني أن لشركة هيوز الحقّ في تسويق الليزر . أما المخترع فيمتلك براءة الاختراع . فأصبح مكتب البراءة ، بموقفه العدائي التقليدي ، متردداً في منح البراءات لمايمان و لشركة هيوز . وصل عجز شركة هيوز الذي استمر فترة طويلة للحصول على براءة لإختراع ( مايمان ) ذروته عام 1968 ، أي بعد سبع سنوات من اختراعه لأول ليزر . و قد طالب محامي ( مايمان ) مكتب البراءة بإشراكه في القضية مع محامي هيوز ـ لكي يستطيع الطرفان الحصول على المعلومات الخاصة بالقضية ، فتلقى جواباً روتيناً مملا . و قد استلم محامي ( مايمان ) الرسالة التي تعلن بأن طلب البراءة وشك أن يرفض و أنّ ( مايمان ) سيخسر حقّ البراءة ما لم يقدم أدلة جديدة . و حينئذ أدرك ( مايمان ) سبب التأخير الطويل ؛ لقد قال البير و قرا طيون إن السبب واضح و ذكروا ثلاثة أسباب محددة : بحث ( شاولو ـ ثاونز ) السابق ، و رفض ( شاولو ) للياقوت كمادّة نشطة ، ثم و يا للعجب ، البحث المغلوط الذي أورد قياسات غير صحيحة عن إشعاع الياقوت . غضب ( مايمان ) جداً و كتب إجابة مفصلة وضحت ” أنّ القراءة المتأنية لكل المراجع المتوفرة ، ستثبت سبب عدم فعالية الياقوت ـ لا سبب وضوح ملائمته لليزر ” و لكن محامي البراءة يعتقد أن الإجابة ستفوز بالبراءة ، إذا اعتبر إفادة مشفوعة بالقسم ، و لكن حذر ( مايمان ) من القرار المؤلم الذي سيواجهه . فقبول الإفادة دون اتخاذ أية إجراءات أخرى يعني أن تفوز هيوز بالبراءة و تكسب كلّ المكافآت المالية . و كان باستطاعة ( مايمان ) أن يكافح لعله يفوز بالبراءة ، و كان باستطاعته أن يهملها و يقبل بالاعتراف الرسمي كمخترع الليزر ، و قد اختار ( مايمان ) الاعتراف الرسمي . و قدمت شركة هيوز الإفادة بكل سرور ، و تمت الموافقة أخيراً على البراءة . و بالرغم من أن ( مايمان ) لم يكسب مثل ما كسب ( جولد ) من ثروة لقاء مساهماته , إلا أنّه كان ناجحاً في عمله الخاص . و قد ادعى أنّه لم يأسف لقراره , فقد منح جائزتين عالميتين رفيعتين : جائزة ولف من إسرائيل عام 1984 ، و جائزة اليابان ، المسماة بجائزة نوبل الشرقية عام 1987. أمّا الاعتراف الكامل ( بمايمان ) كمخترع فقد جاء عن طريق إدراج اسمه في قائمة المخترعين المشهورين ، و هي مجموعة من المخترعين المميزين مثل : ( أديسون ) ، ( بل ) ، و الأخوان ( رايت ) .
من كتاب: المبتكرون، جون ديبولد، دار البشير، 1993